ولقد بقى بمكة حين هاجرت كثرة من المسلمين إلى الحبشة، وكانت هذه مسالة غامضة، فلقد كان يظن أن المهاجرين كانوا يعارضون سياسة فريق من المسلمين كان يتزعمهم أبو بكر. وعلى أية حال فالخبر المأثور هو أن المهاجرين رحلوا فرارا من الاضطهاد، وقد تكون عشيرة أبى بكر من تيم التى كانت تنتمى إلى تلك الجماعة المعروفة بحلف الفضول، شأنها شأن العشائر الأخرى لم تكن تضطهد من أسلم من أفرادها وعلى أية حال فإنه ليبدو أنها كانت تعوزها أيضا الإرادة أو القوة للدفاع عنهم، ذلك أنها سمحت لأبى بكر وتابع له من عشيرته هو طلحة بأن يدخلا معا فى ذمة رجل من عشيرة مكية من أسد. وفى وقت متأخر عن ذلك ترك أبو بكر مكة، وإنما عاد إليها لتسلمه الأمان (الجوار من أبى الدغنة) رئيس جماعة من البدو الرحل كانوا على حلف مع قريش. وكان أبو بكر يشترى الأرقاء ويطلق سراحهم، نخص بالذكر منهم عامر بن فهيرة وبلال اللذين أوذيا فى أبدانهما. وشراء من أسلم من الأرقاء، وإن دل على إخلاص أبى بكر للدعوة، لا يبرر التبرير كله نقصان ثروته إلى 5000 درهم عند الهجرة. والقول بأنه كان ثمة ضغط اقتصادى مارسه كبار تجار مكة أمر مشكوك فيه.
ولقد اختاره محمد (ص) ليصحبه فى هجرته إلى المدينة، وهى حادثة أشار إليها القرآن (سورة التوبة، الآية 40) وسرعان ما تبعته أسرته وكانوا فيما يظن أم رومان وعائشة وأسماء، وربما عبد الله. وعلى أية حال فلقد بقى أبو قحافة فى مكة وحارب عبد الرحمن بن أبى بكر المسلمين فى بدر وأحد ثم أسلم قبل فتح مكة. وفى المدينة وجد أبو بكر منزلا فى حى السنح. وغدا مركزه الخاص فى الجماعة ملحوظا بزواج النبى من ابنته عائشة. وكان شريكا فى جميع الحملات التى قادها محمد (ص)، وكان دوما إلى جانبه على استعداد لأن يساعده بالنصيحة والرأى.
وفى اللحظات الدقيقة كان ثابتا كالصخرة ولم يفقد قلبه، ويظهر أنه كان