تشير إلى أن أول كتاب حمل هذا الاسم هو كتاب ابن خرداذبه، وقد أعدت أول مسوت لهذا الكتاب سنة 231 هـ (846 م) وأعدت المسودة الثانية سنة 272 هـ (885 م). وأصبح الكتاب أساسًا ومثالا للكتاب الذين كتبوا في الجغرافيا، وأثنى عليه الثناء المستطاب جميع الجغرافيين تقريبًا وأفادوا منه. وكان ابن خرداذبه رئيسًا لمرفق البريد والمخابرات، وكان رجل علم ولو ذعية. ولعلنا نستطيع أن نتبين حافزه إلى تأليف رسالة في الجغرافيا من قوله هو نفسه أن ذلك كان تحقيقًا لرغبة الخليفة، وقد ترجم لهذا الخليفة أيضًا كتاب بطلميوس (من اليونانية أو السريانية) إلى العربية (ابن خرداذبه، ص 3). على أن رغبة الخليفة قد نشأت هي نفسها من الحاجات العملية للحكومة. ونحن نجد أن قدامة بن جعفر الكاتب كان يرى أن "علم الطرق" ليس نافعًا من حيث هو مرشد عام للديوان فحسب، بل هو أساسى أيضًا للخليفة الذي قد يحتاجه في أسفاره أو في إنفاذ جيوشه (ص 185).
ويمكن تقسيم الكتب الجغرافية التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) إلى فئتين عامتين: (1) كتب تتناول العالم في عمومه، وتتناول الإمبراطورية العباسية (مملكة الإسلام) في تفصيل أكبر. وقد حاولت هذه الكتب أن تسوق جميع المعلومات الدنيوية التي لا يمكن أن تجد مكانًا في الكتب الإسلامية العامة، ومن ثم أطلق على هذه الكتب "الكتب الجغرافية, الدنيوية لهذا العصر". وقد وصف كتابها تخطيط البلدان وشبكة الطرق في الإمبراطورية العباسية، وغطت هذه الكتب ميادين الجغرافيا الرياضية والفلكية والطبيعية والبشرية والاقتصادية وكان من ممثلى هذه الطبقة من الجغرافيين: ابن خرداذبه، واليعقوبى، وابن الفقيه، وقدامة، والمسعودى. ولما كانت العراق هي أهم مراكز المعرفة الجغرافية لذلك العصر كما ينتمي إليه كثير من الجغرافيين، فإننا نستطيع- تيسيرا للأمور- أن نستعمل مصطلح "المدرسة العراقية" للدلالة عليهم. على أننا نستطيع أن نميز