كانت سائدة فى ذلك العهد. ويرفض أبو البركات أن يفرق بين اليقينيات القائمة على العقل التى يسلم المشاؤون بصحتها والقضايا المعتمدة على الوهم التى ينكرها هؤلاء.
وهذا المنهج. بالأخص، هو الذى يؤدى بأبى البركات إلى القول بوجود حيز ذى ثلاثة مقادير مخالفا بذلك أشياع المذهب الأرسطى. وهو يتفق مع يوحنا النحوى John Philoponus فى دحض القضية التى تنكر إمكان الحركة فى الخلاء. وقد بين بطلان براهين المشائين التى تقول بعكس ذلك، ثم اثبت لا نهائية المكان باستحالة أن يتصور الإنسان مكانا محدودا.
وكذلك فإن لجوء أبى البركات إلى العلم الأولى للعقل الإنسانى هو الذى أتاح له أن يوضح مشكلة الزمان، وحلها الصحيح، فى نظره، أدخل فى الميتافيزيقا منه فى الطبيعيات، ومن ثم فقد بين أن إدراك الزمان، والوجود، والذات أسبق فى النفس من إدراك أى شئ آخر، وأن مفهوم الوجود ومفهوم الزمان يرتبطان ارتباطا وثيقا. والزمان، بحسب تعريفه، هو مقدار الوجود، لا مقدار الحركة كما يقول المشاؤون، وهو لا يسلم بما يقول به ابن سينا وغيره من الفلاسفة من اختلاف المراتب الزمانية، وتفاوت الزمان، الدهر، السرمد، فالزمان فى رأيه يتعلق بوجود الخالق كما هو يتعلق بوجود المخلوق.
وهو يوحد بين المادة الأولى والجسم من حيث هو جسم دون نظر إلى أى مميز آخر، ذلك أن الجسمية هى امتداد يمكن قياسه، وفى رأيه أن الأرض هى دون سواها من العناصر الأربعة، مكونة من جزيئات لا تتجزأ لصلابتها.
وعندما يعرض أبو البركات لحركة المقذوفات فإنه يأخذ فى شئ هن التعديل بنظرية ابن سينا ويهتدى آخر الأمر بآراء يوحنا النحوى فيما يظهر، فيقول بأن علة هذه الحركة "ميل قسرى" أى قوة (أسماها العلماء اللاتين من بعد: impetus) يمد بها القاذف المقذوف. وهو يعلل سرعة وقوع الأجسام الثقيلة بأن مبدأ "الميل الطبيعى" (وهو اصطلاح فلسفى شائع) الموجود فيها يمدها بميول متتالية. ومتن