قصدنا من كتابة هذه المادة إلى دراسة كتب الجغرافيا عند المسلمين، فهي لذلك محاولة لسد الثغرة التي قال بارتولد W.رضي الله عنهarthold المقدمة التي كتبها للطبعة المنقولة طبق الأصل من كتاب "حدود العالم" (لينينغراد، سنة 1930, ص 7) أنها نقص خطير في دائرة المعارف هذه.
وكلمة جغرافيا (وينطق بها أحيانا بفتح الجيم) لم تستعمل للدلالة على علم الجغرافيا إلا متأخرًا.
وجرى قدماء الجغرافيين على اسمعمال هذا اللفظ علما على كتاب بطليموس المعروف في الجغرافيا (الفهرست، ص 268) وعلى كتاب مارينوس الصورى (المسعودى: التنبيه والإشراف، ص 33، وقد فسرت كلمة جغرافيا في هذا الموضع بأنها "قطع الأرض").
واستعملت لأول مرة بمعنى "علم الجغرافيا" في رسائل إخوان الصفاء (طبعة القاهرة سنة 1347 هـ, ص 111) ولكنها فُسرت أيضًا في هذا الموضع بأنها "صورة الأرض"، وظل هذا المعنى شائعًا في العصور الوسطى.
ولم يصبح لهذه الكلمة المعنى الذي نعرفه اليوم من علم الجغرافيا إلا في ازمنة حديثة بعض الشيء (انظر الفصل المعقودعلى علم الجغرافيا في كتاب كشف الظنون لحاجى خليفة، الآستانة سنة 1311 هـ, جـ 1، ص 394).
ويمكن القول بأن مصنفات المسلمين لم تنشأ فرعًا متميزًا بنفسه عن فروع التأليف الأخرى إلا بعد عام 800 للميلاد، فقد ألفت لأول مرة في القرن التاسع طائفة من الرسائل تتناول المسائل الجغرافية بصفة خاصة. وقد اختلف كتاب ذلك العهد اختلافًا كبيرًا في تناولهم هذه المسائل ثم تطورت شيئًا فشيئا فأصبحت تكتب بأسلوب مقرر على تفاوت في ذلك، وكان هذا الأسلوب أهم سمات الجغرافيا عند المسلمين لعهدها القديم، وهو يشمل القرنين العاشر والحادى عشر. على أن كتاب المسلمين لم يكتبوا بأسلوب واحد يبعث الملل, ولم يكن الاشتغال بدراسة