التسعين. ولم ينقطع الجاحظ إلى مهنة يتكسب بها مثله في ذلك مثل معاصره البلاذرى. وإنما كفاه مؤونة العيش ما كان يصله به من أهدى إليهم تواليفه.
وإذا أردنا أن نصف مؤلفات الجاحظ على اختلافها قلنا إنه كان أولًا وقبل كل شيء من الأدباء، ذلك أن هذه التواليف -حتى ما كان منها خاصا بمسائل الكلام- أدنى إلى الأدب منها إلى العلم، فهي أحاديث تناول فيها مسائل يومه. وكان الجاحظ -كشيخه أبي إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام- من أوائل المعتزلة الذين درسوا فلاسفة اليونان وخاصة الطبيعيين منهم (أرسطوطاليس). وبقيت من كتب الجاحظ في الكلام نتف نستبين منها أنه كان يستشهد في أحكامه بالتاريخ وبتجاريبه ولا يرضى عن الأحكام القائمة على مجرد النظر (كتاب الحجج في النبوة، كتاب المعرفة، كتاب خلق القرآن، كتاب الرد على المشبهة، كتاب الرد على النصارى- إلخ). وأثبت أيضًا أنه كان خبيرًا بالنفوس، ويصدق هذا على كتبه في الإمامة، فقد بسط فيها أنظار الفرق المختلفة في إنصاف يدعو إلى الإعجاب (المسعودى: مروج الذهب، ج 6، ص 55 وما بعدها). وحاول الجاحظ في مصنفيه "كتاب العرب والموالى" و"كتاب العرب والعجم" أن يقدر قيمة كل من هذين العنصرين الغالبين في بلاد الخلافة بالنسبة للآخر. ومما يدعو إلى الأسف أن هذين الكتابين قد فقدا، ولكنا نعلم أن المؤلف قد دل على أنه كان نصير، متحمسا للحضارة العربية التي تتمثل في الخلافة العباسية (انظر Muh.: Goldziher Stud. جـ 1، ص 169 وما بعدها)، على أن البغدادي قد لامه على مقالاته في تفضيل الموالى على العرب (الفرق بين الفرق، ص 168). ويميل الجاحظ إلى القول بأن الترك عماد الخلافة بعد العرب والموالى (الخراسانيين). وقد دافع في رسالته المسماة "رسالة في فضائل الأتراك" (نشرها فلوتن Vloten, ليدن سنة 1903 في Tria opuscula. auct al-عز وجلjahiz (عن فكرة إلحاق الموالى الترك بجيش المسلمين، ودرس في "كتاب البلدان" خصائص وفضائل العواصم الكبرى مكة والمدينة ومصر والكوفة