ولم يكن للتقية هذا الشأن الخطير عند أئمة أهل السنة. على أن الطبري روى في تفسير الآية 106 من سورة النحل (التفسير، بولاق سنة 1323. وما بعدها؛ ج 4، ص 122) أن "من أكره [على الكفر] فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو من عدوه فلا حرج عليه لأن الله سبحانه انما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم". والإجماع أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر.
وتقصّى مسألة الهجرة في هذا المقام أدخل في باب النظر. ففي بعض الأحوال - كحالة الخوف من القتل - يجوز للمسلم الهجرة إذا وقع في محل لا يستطيع فيه إظهار دينه، "فإن أرض الله واسعة". أما النساء والصبيان والمرضى ومن حقت عليه رعايتهم فإنه يجوز لهم الموافقة، ولا تقبل التقية أو الهجرة من غير هؤلاء إذا كانت المشقة التي تلحقهم محتملة، كالحبس الموقوت والضرب الَّذي لا يفضى إلى الهلاك. على أن النزوع إلى القول بأن التقية ليست في الأكثر إلا شيئًا جائزًا وأنها ليست واجبة في جميع الأحوال -كما يذهب بعض اهل السنة استنادًا إلى الآية 191 من سورة البقرة - قد أدى إلى وضع أحاديث في التحذير منها مثل "رأس الفعل المداراة". (?) وسيقت قصة الرجلين اللذين أخذهما مسيلمة لاثبات فضل الاستشهاد على الصدق، فقد أكره أحدهما فأنكر أن محمدًا