في العصر المتأخر، فإن المخالفة في صحة هذا التفسير قديمة أيضًا. ولعله اليوم أقل رواجًا عند المثقفين ... فأما المخالفة القديمة فيه، فهي ما يبديه الأصولى الأندلسى، أبو إسحاق ابن موسى الشاطبي - 970 هـ - في كتابه الموافقات (?) في أثناء أبحاثه عن القرآن، إذ تكلم أولًا عن أن هذه الشريعة المباركة أمية، لأن أهلها كذلك، فهو أجرى على اعتبار المصالح، ودلل ذلك بأمور، ثم عقب بفصل عن: أن العرب كان لها اعتناء بعلوم ذكرها الناس، وكان لعقلائهم اعتناء بمكارم الأخلاق، واتصاف بمحاسن الشيم، فصححت الشريعة منها ما هو صحيح، وزادت عليه، وأبطلت ما هو باطل وبينت منافع ما ينفع من ذلك ومضار ما يضر منه، وذكر من ذلك علم النجوم وعلم الأنواء، وأوقات نزول الأمطار وإنشاء السحاب، وهبوب الرياح المثيرة لها. ومنها علم التاريخ وأخبار الأمم الماضية، ومنها الطب، وفنون البلاغة، هذا من العلوم الصحيحة. وذكر من الباطل علم العيافة والزجر والكهانة وخط الرمل، والضرب بالحصى، والطيرة، وقد أبطلتها الشريعة .. وهو يبين في كل ذلك، أن الشريعة في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت، قد عرضت من ذلك ما تعرفه العرب، ولم تخرج عما ألفوه .. وبعد شرح هذه الفكرة المبينة لرأيه في علوم القرآن، يتقدم لبيان ذلك بإسهاب وإيضاح، ويعقد لذلك بحثًا خاصًّا يقول فيه: ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذهب أهلها وهم العرب، ينبنى عليه قواعد: - منها أن كثيرًا من الناس تجاوزوا الحد في الدعوى على القرآن، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح.

ثم ينظر في حال السلف، نظرة علمية، فيحتج بها على صحة دعواه، ويقول: وإلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه ولم يبلغنا أنَّه تكلم أحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015