فلن يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها، وعلوم أخر ليس في قوة البشر أصلا إدراكها، والإحاطة بها، ويحظى بها بعض الملائكة المقربين .. ثم يعقب بأن هذه العلوم، ما عددناها وما لم نعدها، ليست أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد، من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد دكرنا أنَّه بحر لا ساحل له، إن البحر لو كان مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد؛ وعرض في بيان أفعال الله، والحاجة في فهمها إلى مختلف العلوم كفعل الشفاء والمرض لا يفهمان إلا بالطب، وفعله في تقدير الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان، لا يعرف إلا بالهيئة، إلى أن يشير أخيرًا إلى أنَّه لو ذهب يفصل ما تدل عليه آيات القرآن، من تفاصيل الأفعال لطال، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مجامعها (?)، وهكذا ظهرت آثار الثقافة الفلسفية والعلمية للمسلمين في تفسير القرآن، كما ظهرت آثار التصوف واضحة في التفسير، وكما ظهرت آثار النحل والأهواء فيه ظهورًا جليًا .. واستمرت هذه النزعة في التفسير العلمي، وأصبحت فيما يبدو وجهًا من تعليل إعجاز القرآن، أو بيان صلاحية الإسلام للحياة، وإذا كان هذا التفسير قد ظهر في مثل محاولة الفخر الرازي ضمن تفسيره القرآن، فقد وجدت بعد ذلك كتب مستقلة في استخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم، وراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر، فاخرجت لنا مثل كتاب كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية، والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية، لمحمد بن أحمد الإسكندرانى الطبيب من أهل القرن الثالث عشر الهجرى، وكتاب تبيان الأسرار الربانية في النبات والمعادن والخواص الحيوانية له، وقد طبع الكتاب الأول في القاهرة سنة 1297 هـ والثاني في سورية سنة 1300 هـ. ومثل رسالة عبد الله فكرى باشا وزير المعارف المصرية سابقًا في مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النصوص الشرعية، طبعت بالقاهرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015