وعمر وعليا لو شهدوا زنا لم يحكم بشهمادتهم، ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم، وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين، وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولا صدر، لكن نقف فيها عند ما حده النص فقط، ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام -كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة- أفضل دينا ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن، ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة، فبطل الاعتراض بالحديث المذكور، وصح أنه على ما فسرناه وبيناه والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد: فإن اعترض معترض بقول النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأة فرعون. فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة، وقد يتفاضلون أيضًا فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض. قال الله عزَّ وجلَّ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد، وبالله تعالى التوفيق.
فإن اعترض معترض بقوله عليه السلام: "لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" فلا حجة له في ذلك, لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل، فقد علمنا أن ابن مسعود وبلالا وزيد بن حارثة رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن وابن الزبير ومعاوية أفضل والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك، ومنهم في الفضل مالا يجهله المسلم.
مبنى التصوف -كما يتبين مما أسلفنا على الإيمان والصدق والإخلاص فهو العلم الذي يصور المثل الخلقى الإسلامي الأعلى: سئل سحنون عن التصوف فقال: ألا تملك شيئًا ولا يملكك شيء.