وبإخباره وبإنذاره فبدت بذلك أنها له للذي ظهرت منه.
قال أبو محمد "بن حزم": أما الذي روى في ذلك عن الثلاثة أصحاب الغار وانفراج الصخرة ثلثا ثلثا عندما ذكروا من أعمالهم فلا تعلق لهم به لأن تكسير الصخرة ممكن في كل وقت، ولكل أحد بلا إعجاز، وما كان هكذا فجائز وقوعه بالدعاء وبغير الدعاء, لكن وقع وفاقا لتمنيهم كمن دعا في موت عدوه أو تفريج همه, أو بلوغ أمنيته في دنياه، ولقد حدثني حكيم بن منذر بن سعيد أن أباه رحمه الله كان في جماعة في سفرة في صحراء فعطشوا وأيقنوا بالهلكة ونزلوا في ظل جبل ينتظرون الموت. قال: فأسندت رأسى إلى حجر ناتئ فتأذيت به فقلعته فاندفع الماء العذب من تحته فشربنا وتزودنا، ومثل هذا كثير، وحتى لو كانت معجزة لوجب أن يكونوا أنبياء، أو لولى ممن في زمن نبي لا بد مما قدمناه.
قال أبو محمد: "ولا عجيب أعجب من قول من يجيز قلب الأعيان للساحر، وهو عندهم فاسق أو كافر ويجيز مثل ذلك للصالح وللنبي، فقد جاز عندهم قلب الأعيان للنبي وللصالح وللفاسق وللكافر، فوجب أن قلب الأعيان جائز من كل واحد، وبؤسًا لقول أدى مثل هذا".
وظاهر ما في احتجاج ابن حزم من قوة، ولئن لم يعرض لتأويل كل ما روى في الأخبار من الكرامات المشكل تأويلها كحديث من تكلم في المهد من الصبيان فلعله اعتبرها من الوقائع المروية بالأحاديث التي يجوز الشك فيها ولا تنبنى العقائد عليها, ولولا أن ابن حزم من الظاهرية الذين يتبعون النصوص بلا تأويل لقلنا إنه قد يجعلها من باب التمثيل.
ولما كان إنكار الكرامات ربما كان موهما إنكار إجابة الدعاء, فإن الدعاء قد يكون بشيء خارق للعادة، ومن هنا تصدى ابن حزم لحل هذا الإشكال فقال: "فإن اعترضوا بقول الله تعالى: {وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وبقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فهذا حق؛ وإنما هو بلا شك في