فقهاؤهم -الذين اشتدوا في الحط من شأن المتصوفة أمثال ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيّم- يقدرون الغزالى ويعدونه حجة في مسائل الأخلاق. وإنما صب فقهاء أهل السنة المتأخرون جام غضبهم على مريدى ابن عربي لقولهم بالوحدة. وقد شرح صاحب مذهب الوهابية -ونحن نعلم مبلغ خصومته للمتصوفة- وصية المتصوف "شقيق" إلى "حاتم الأصم".
4 - معنى الاتحاد وتطوره في تاريخ التصوف
كان التصوف في أول عهده يدور حول نقطتين: أولاهما أن العكوف على العبادة يولد في النفس "فوائد" هي الحقائق الروحية، وقد أنكر الحَشْويَّة ذلك؛ وثانيهما أن علم القلوب يفيض على النفس "معرفة" تنطوى على استعداد الإرادة لتلقى هذه الفوائد، وقد أنكر المعتزلة ذلك وقنعوا بمعرفة النفس معرفة نظرية.
ويقول المتصوفة إن في علم القلوب قوة محركة، وهو يبين السفر إلى الله وما فيه من مقامات وأحوال عدتها اثنا عشر، كما يقولون إن بعض الفضائل يُكتسب وبعض الفوائد يُتلقى. والمتصوفة -أمثال السرَاج والقشيرى والغزالى- يختلفون في ذكر المقامات والأحوال، ولكنهم مع ذلك يكادون يجمعون على استعمال اصطلاحات مشهورة بعينها مثل التوبة والصبر والتوكل والرضا.
وإذا صرفنا النظر عن خلاف المتصوفة في السفر إلى الله فإنا نجدهم قد وجهوا همهم بنوع خاص إلى تحديد الغاية القصوى التي هي تحقق النفس بمعرفة الحق عندما يقطع العبد كل علائقها بالبدن. ولكن كيف السبيل إلى التعبير في لغة أهل السنة عن هذه الحال الراقية التي تخاطب فيها النفس الله وهي واحدة، وهي حال تثير موضوع "الشَطْح" الذي لم نصل بعد إلى رأى فيه، وقد كانت رابعة والمحاسبى ويحيى الرازي أول من فتح الله عليهم بها.
ومن هنا لم يجد الصوفية بدًا من الرجوع إلى الألفاظ التي استعملها الفقهاء لعهدهم، فاستعاروا منها في