ومن العهد المكي الثالث سورة الأنعام، الآية 152 سورة الأعراف، الآية 85 *). وقد تغيرت نظرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك تغيرا معينا يجب أن نرده إلى العهد المكي، ولو أنه ليس في القرآن شواهد على ذلك إلا في سور العهد المدني، إذ تحورت نظرته إلى التجارة. وهو لم يحرمها، وإنما رأى فيها ما قد يعوق المؤمنين عن عبادة الله، ويصرفهم عن الصلاة. ويظهر هذا بأجلى بيان في وصف الصوامع الذي ورد في سورة النور المدنية، الآية 37 "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار".

وكان من نتيجة تسلسل هذه الأفكار أن التجارة قد حرمت في السور المدنية تحريمًا باتًا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة. وشاهد ذلك سورة الجمعة، الأيات من 9 إلى 11 "يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وإذا راوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل ما عند الله خير من الله ومن التجارة والله خير الرازقين". (?)

ومع هذا فإنه يعود في الوقت نفسه إلى التوكيد بأن الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال المقترفة والتجارة ليست أحب إلى المؤمنين من الله ورسوله (سورة براءة، الآية 24). وفي هذا العهد المتأخر نزلت أيضًا أحكام القرآن المعروفة في كتابة المواثيق (سورة البقرة، الآية 282 * وما بعدها).

ب- وهذه النظرة الموالية بوجه عام للتجارة هي نظرة الحديث أيضًا، وإن كان قد اشتد في ذم الاحتكار والمعاملات الأخرى المنافية للأمانة. والتجارة- في اعتباره- كالعمل اليدوى شرفًا وربحا واكثر منه رزقًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015