مشروعه الأصلي الواسع النطاق، وبينما يبدى المؤلف انتقاداته في التفسير صراحة نراه في التأريخ يشير إليها تلميحًا، وكانت مواطن الضعف عنده هي ما يتوقع من محدث مثله- مثال ذلك إيثاره لمصنف "سيف " المنحول للتأريخ على مصنف "الواقدي" بسبب ما حام حول الواقدي من شبهة بين المحدثين. ولكن يتعين علينا -فيما عدا هذه المواطن- أن ننوه ببراعته الفائقة فيما بقى من الكتاب الذي كان، بما امتاز به من حجية وإفاضة، رمزًا لختام عصر من عصور التأريخ. ولم يعن أحد من المصنفين المتأخرين بأن يجمع ويحقق من جديد المواد المتصلة بالتأريخ الإسلامي القديم، وإنما كانت هذه المواد تلخص عن الطبري ويزاد عليها أحيانا من البلاذرى، ويبدأ بها من حيث انتهى الطبري.
وقد لفت ضعف القسم الأخير من تأريخ الطبري الأنظار إلى أن معالجة التأريخ بالاعتماد على الرواية وحدها لا تكفى. وقد جعل نظام الدواوين العمال ورجال البلاط في مقدمة من يرجع إليهم في تدوين التأريخ السياسي، ونحى رجال الدين إلى المرتبة الثانية. ولهذا السبب أيضًا يعد القرن الثالث خاتمة طور خاص في كتابة التأريخ العربي.
(ب) وما أن اعتبر التأريخ علمًا مستقلًا حتى أخذ ينمو بسرعة، وكثرت المؤلفات التأريخية بين القرنين الثالث والسادس كثرة يستحيل معها أن نلم بها في إسهاب، ولذلك فسنكتفى بتلخيص أهم اتجاهاتها.
1 - كان علماء كل إقليم قد شرعوا منذ القرن الثالث في جمع الروايات التأريخية التي تتصل بتأريخهم، وإذا استثنينا كتابًا في تأريخ مكة (انظر الأزرقي) يمت في جوهره إلى ما ألف في السيرة، فإن أقدم تأريخ لقطر من الأقطار هو تأريخ مصر وفتوح المغرب الذي ألفه عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الحكم المتوفى 257 هـ (871 م). ومما هو خليق بالذكر أن هذا المصنف يحتوي على نفس المواد المميزة للتواريخ العامة المتقدمة الذكر، ولكنه يفتقر إلى ما فيها من النقد الصحيح. وتعتمد أخبار الغزوات على رواية أهل المدينة والروايات المحلية. أما المدخل إلى الكتاب فليس مستمدًا من مواد مصرية أصلية