وفي هذه الآونة سارت الرواية الفارسية لأول مرة (إلا في كتاب هشام الكلبى) في الاتجاه الرئيسى لكتابة التأريخ العربي، وذلك على الرغم من أن "كتاب الملوك" (خداى نامه) الفارسى كان قد نقل إلى العربية قبل ابن المقفع المتوفى حوالي سنة 139 هـ (756 م) بقرن ونيف. وقد أوضحنا فيما تقدم أن المواد المستمدة من القصص اليهودى والمسيحى كانت منذ أمد بعيد، قد وجدت سبيلها إلى التأريخ العربي وهو أمر لم يكن في صالحه تمامًا. كذلك كان أثر الرواية الفارسية فيه سيئًا. ذلك أنه عندما كان هذا التأريخ تابعًا لعلم الحديث كانت سرعة التصديق الطبيعية عند الناس وما كان للذكريات العربية القديمة من روعة في نفوسهم قد أخضعا لنوع من الاعتماد على التجربة واحترام أصول النقد، وهما الشرطان الجوهريان لأى تدوين صحيح للتأريخ، ولكن لم يكد التأريخ يجاوز الميدان الإسلامى حتى عادت الصعوبة القديمة في التمييز بين العناصر شبه الخرافية والتاريخية، إلى الظهور، يصاحبها الميل إلى تصديق كل موضوع في متناول الخاطر. وهذا الميل قد أذكاه طابع المصادر التي استمد منها المصنفون العرب موادهم لتدوين التأريخ القديم لفارس وعيرها من البلدان. بل إن "خداى نامه" ذاتها كانت تشتمل في أقدم أجزائها على قصص تتناول أشخاصًا خيالية (أسطورية) وعلى تأملات كهنوتية، وخرافات أبستاقية، وذكريات عن قصة الإسكندر، وكثيرًا ماكانت النزعة القصصية والبلاغية تطغى على الرواية الصحيحة في الحديث عن ملوك آل ساسان. (عز وجلas lranische Nationalepos: Noeldeke, الطبعة الثانية سنة 1920) وقد انتعشت الدراسات اليونانية بفضل نقل المؤلفات التي كتبت بهذه اللغة إلى السريانية، وأثار هذا الانتعاش في الوقت نفسه اهتمامًا بالتراث اليهودى والمسيحى واليونانى، ولم يجد هذا الاهتمام منصرفًا إلا بالرجوع إلى مصادر لم تكن أعلى شانًا من خداى نامه، مثل المصنف السريانى الموسوم بمغارة الكنز (معارت كزى).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015