ينص على ضرورة وجود شاهدين غير الأولين يثبت دليلهما بقسم. ويمكن تقديم بعض الأمثلة التي حدثت من حين لآخر، وبصفة استثنائية في ظل الإسلام، لقضاة طلبوا من شهود، ارتابوا فيهم أن يقسموا. ومهما يكن من أمر فإن العقيدة أنشات فارقا واضحا قاطعا فيما يختص بالحجج الشرعية التي تنص عليها وتنظمها، بين الشهادة والقسم. وتنص القاعدة المشهورة على أن "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وفي رواية أخرى "على المدعى عليه". وينبغى أن نذكر أن المدعى، في حالة التجائه إلى الشرع، لا يكون بالضرورة المدعى الأصلي (ومن هنا فإن عبء الإثبات قد يتأرجح)، يضاف إلى هذا أن بعض العلماء يرون أن الدليل إنما يمكن أن يقدم في الغالب لإثبات الحقائق اليقينية.

والبينة نفسها، من حيث المبدأ، لها حجية قائمة بذاتها: فعندما تتوافر الشروط الشرعية للصحة تكون ملزمة للقاضي، وهذه قاعدة عامة. وقد بذلت عدة محاولات لتأييد الشهادة بقسم، يحلفه المدعى، ولكن هذه المحاولات لم تنجح بحال في التأثير على الشريعة المأثورة، اللهم إلا الحالات التي يغيب فيها المدعى عليه، أو يعانى من اللا أهلية (Origins: Schacht ص 187 - 188؛ انظر ابن قدامة: المغني، جـ 9، ص 277: : وبالنسبة لرأى الفاطميين المعارض انظر القاضي النعمان: اقتصار، دمشق سنة 1957، ص 163). ويتمسك المذهب الحنفي تمسكا تاما بلفظ القاعدة المذكورة آنفا، والحق إن هذا المذهب قد أسهم في انتشار أثرها بله صياغتها، لأنه يخالف المذاهب الأخرى في أنه لا يسمح للمدعى بأن يحلف لكى يستكمل بقسمه بينة ناقصة (شاهد واحد) في المنازعات الخاصة بالمال، ولا يسمح للمدعى عليه بأن يحلف ردًّا على المدعى. وفي تبادل القسم، الذي يتمسك به الحنفية هم وباقي المذاهب في بعض الحالات التي تعوزها البينة، يقف كل من الطرفين أمام الآخر موقف المدعى عليه، وبالنسبة لتطورات القسم الأخرى أمام القاضي. ونلاحظ هنا فحسب أن القسم لتبرئة الساحة المعروف في الجاهلية، بقى في الشريعة الإسلامية وسيلة إثبات في مجال محدود من الإجراء الجنائى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015