حنيفة، قد احتفظ بآراء أسلافه الذين هم في نظرنا مجرد أسماء ظهرت في الجيل الذي قبله. وتدليله العقلي المنهجى، وإن كان واضحًا اعتماده على "السنة القائمة"، ويقصد هو بذلك سنة المسلمين المتصلة التي تبدأ بالرسول [- صلى الله عليه وسلم -] يدعمها الخلفاء الراشدون والخلفاء الذين جاءوا من بعدهم الأئمة؛ وهذه هي "سنة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] ", ويقارن الأوزاعي هذه النظرة المثالية للسنة بسنة الحكم الواقعية، ويجعل "السلف الصالح" ينتهى بمقتل الخليفة الأموى الوليد الثاني بن يزيد الثاني سنة 126 هـ (744 م) والفتنة التي تلت ذلك، وبهذا شمل السلف الصالح في نظره معظم عهد الأمويين، ويقترب الأوزاعي أشد الاقتراب -في تصوره هذا للسنة وفي غير ذلك من الوجوه- من مذهب العراقيين القدماء.
ولم يظهر الأوزاعي بعد أي أثر من ذلك الشعور المعادى للأمويين الذي راج في عهد العباسيين، وكان موقفه من العباسيين خليقا بأن يكون منطويا على الفتور (ويتجلى هذا في حكاية رويت عن لقائه بالفاتح العباسى عبد الله بن علي، انظر رضي الله عنهarthold . في Isl، ج 18، ص 244). ومع ذلك فقد نجح الأوزاعي في كسب احترام الحكام الجدد وتقديرهم، وبخاصة الأمير المهدي خليفة المستقبل، وكان قد لقيه فيما يبدو. والالتماسات التي قدمها الأوزاعي لهذا الأمير وللخليفة المنصور ولأصحاب النفوذ من رجال البلاط باسم المسجونين السياسيين وباسم الجمهور في بيروت وباسم غيرهم (ابن أبي حاتم: تقدمة المعرفة، ص 187 وما بعدها) صحيحة بلا شك، أما القول بأن ابن سراقة (والى دمشق من قبل الخليفة الأموى الوليد الثاني والأمير العباسى عبد الله بن على، انظر الصفدى: أمراء دمشق، طبعة المنجد، دمشق سنة 1955 م، ص 55) قد حمل الأوزاعي على القدوم من بيروت إلى دمشق (انظر ابن أبي حاتم: كتابه المذكور، ص 187) فقول يصعب أن يتمشى مع القليل الذي نعرفه من سيرة الأوزاعي.
وقد ذكر ياقوت (جـ 1، ص 785، مادة بيروت) طائفة من تلاميذ الأوزاعي أبرزهم الوليد بن مزيد المتوفى سنة 203 هـ. وقد حدث لمذهب