جلب على نفسه كراهية شديدة من أهل قرطبة لتجاوزه الحدود التى حذر أبوه وأخوه قبله من مجاوزتها، فقد اعتز بتأييد جنود البربر فاستولى عليه جشع لم يكبح جماحه، وفكر فى أن يكون خلفًا لهشام الثانى وأن يلقب نفسه بلقب الخلافة،
وكان الخليفة من الضعف بحيث أجاب طلب عبد الرحمن. وفى عام 399 هـ (1008) صدر مرسوم بجعل عبد الرحمن وليا للعهد على عرش قرطبة. وأثار هذا الإعلان البلاد جميعًا على بن ي عامر؛ فقام حرب المتذمرين، وزاد عددهم زيادة كبيرة بعد هذا الآمر الذى لم يكن يتوقعه أحد. وتولى القيادة أمراء بني أمية المحرومون من العرش، فانتهزوا سفر عبد الرحمن بن أبي عامر فى حملة على جليقية وأشعلوا الثورة فى العاصمة، وحاصروا قصر الخليفة وأرغموه على أن ينزل عن العرش لحفيد الناصر، وهو محمد بن هشام بن عبد الجبار الذى نودى به خليفة ولقب المهدي عام 399 هـ (1008). وأخلى الخليفة الجديد قصر بني عامر المسمى المدينة الزهراء وجعله دكا، وبعد ذلك بأيام أسرع عبد الرحمن راجعًا إلى قرطبة فقبض عليه على مسافة قليلة من العاصمة هو وحليفه المخلص الكونت كاريون Carrion Count ثم قتل.
ومن ذلك الحسين إلى سقوط الخلافة -الذى لم يكن بعيدًا- سادت الحرب الأهلية فى قرطبة وإمبراطورية الخلفاء، وزاد العنصر البربرى بجنود صنهاجة التى أتى به ابن وعامر من إفريقية، وكان له شأن كبير فى الاضطرابات التى جاءت بعد ذلك. وبدلا من أن يعمل المهدي على مصالحة رؤساء الجنود المرتزقة أسخطهم بما أبداه لهم من الجفاء والاحتقار، ولا سيما بطرده عددًا كبيرًا من الأفريقيين من ديوان الجند، فانضم المتذمرون من دهماء قرطبة إلى هؤلاء المطرودين، واستمالوا أهل البلاد، وسرعان ما نادوا بخلافة أمير جديد هو سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر ولقب المستعين بالله. واستولى البربر مع الخليفة