لقب أمير المؤمنين عام 316 هـ (929 م) بعد أن كان أسلافه، بل هو نفسه، من قبل قانعين بلقب الإمارة فقط. وكانت المملكة القرطبية الصغيرة قد صارت فى الوقت نفسه إمبراطورية إسلامية عظيمة، وتمت بذلك عودة الخلافة الأموية إلى الأندلس، بعد أن انقضى أمرها فى دمشق، واتخذ لنفسه أيضاً لقباً تشريفياً فسمى نفسه الناصر لدين الله (انظر صلى الله عليه وسلمspagne musulmane: صلى الله عليه وسلم. Levi Provencal du Xeme siecle، طبعة باريس 1932 م، ص 45 وما بعدها).
وبعد ذلك بقليل استولى الخليفة عام (931 م) على قلعة سبتة وهى على شاطئ إفريقية، وعين لها حاكماً وأقام بها حامية، وكان هذا مبدأ غارة الأمويين على المغرب الأقصى. وقبل ذلك بعدة سنين كان حكام مملكة نكور قد طلبوا الانضواء تحت لواء الخليفة الأموى فأجيبوا إلى ذلك. على أن الناصر لم يقف عند هذا الحد واستطاع أن يضم إلى جانبه أمراء الولايات الصغيرة الذين كانوا يحاولون مقاومة غزاة الفاطميين، واستطاع بفضل محالفة عقدها مع المغراوة أن يخضع كل بلاد المغرب الأوسط ماعدا إقليم تاهرت.
ولا نرى لعبد الرحمن فى الجزء الثانى من عهده أعمالا كثيرة قام بها بنفسه. على أن الأحزاب أخذت تنشأ حينذاك فى قلب الإمبراطورية قرطبة المتحدة الهادئة. ولم يكن لها شأن يذكر فى أول أمرها، ولكنها صارت أخيرًا سببًا لاضطرابات عظيمة فى الشئون الداخلية للخلافة. وكان من هذه الأحزاب حزب الصقالبة وحزب البربر. والصقالبة أسرى أخذوا فى شرقى أوربا وإيطاليا وشمالى الأندلس، وسرعان ما صاروا طائفة كبيرة فى قرطبة، نجدهم فى عهد الناصر يتبوءون مناصب عالية فى الدولة، بل وفى الجيش.
ويظهر أن الخليفة استعان بالصقالبة -الذين أيدوه فى أول الأمر- فى الحد من سطوة أشراف العرب