ولا نعرف على وجه اليقين إن كان هو الذى أدخل مذهب المالكية فى الأندلس أم أبوه. والمذهب الذى كان متبعًا حتى ذلك الحين فى تلك البلاد هو مذهب الأوزاعى، وأيا ما كان الأمر فإن الفقهاء لم يصر لهم شأن خطير وكلمة مسموعة عند الحاكم إلا عندما آل الأمر إلى الحكم.
وكان هذا الأمير -خلافًا لأبيه- قليل الميل إلى الفقهاء، وسرعان ما وقف فى وجههم وأثبت لهم قدرته على مخالفة آرائهم. ولكن الفقهاء صمموا على مقاومته فانضموا إلى فريق آخر من المتذمرين هم المولدون، وصاروا -إلى حد ما، وباسم الإسلام- أبطالا للقومية الأسبانية. وكان الحكم رجلا قوى الهمة ثابت العزم فأدت معارضتهم له إلى سلسلة من الإجراءات القاسية اتخذها الحكم بشدة لا هوادة فيها فى الجزء الأكبر من حكمه. وقامت أول فتنة فى قرطبة ذاتها عام 189 هـ (805 م). فقام متآمرون من الأشراف يستحثهم الفقهاء، وحاولوا أن يخلعوا الحكم عن العرش ولكن مؤامرتهم اكتشفت، وقمع الحكم أولئك الثائرين بشدة عظيمة،
وفى العام التالى استولى الحكم على " Merida" ماردة، وأخمد فتنة أخرى فى قرطبة أراق فيها الدماء. وفى عام 191 هـ (807 م) وقعت فى طليطلة وقعة الحفرة المشهورة، وكان أهل هذه المدينة من أول الحكم الأموى فى ثورة لاتهدأ حتى تقوم، فأرسل الحكم اليهم عمروس ليحكم وكان من رجاله المخلصين، فنصب كمينًا لسادة طليطلة بعد أن أقر سيده هذه الخطة، ولم يحرج منه أحد على قيد الحياة.
على أن الذى يكشف عن عزيمة حفيد عبد الرحمن التى لا تلين هى وقعة الربض. ووطّن الحكم عزمه ليقضين على جراثيم الفتنة فى العاصمة قضاء مبرمًا، فجمع حوله حرسًا من الجنود المرتزقة يسمون "الخُرْس". وأقاموا حكم الإرهاب فى قرطبة، وظل التذمر فى زيادة مستمرة، وفى عام 202 هـ (817 م) نشبت ثورة واسعة النطاق فى الضاحية الجنوبية للعاصمة على شاطئ الوادى الكبير، وذلك أن الفقهاء بزعامة