(المقريزى) كما أن الفيضان يؤثر بعمق فى الحياة الخاصة والعامة لأهل القرى وأهل المدن على السواء. وأقدم الروايات الإسلامية عن مصر تعكس مشاعر الإعجاب والامتنان. ويصل النيل إلى أدنى مستواه فى نهاية مايو عند أسوان وفى منتصف يونية فى القاهرة ثم يبدأ فى الارتفاع مرة أخرى حتى يصل إلى أعلى مستوى له فى بداية شهر سبتمبر عند أسوان وفى بداية أكتوبر عند القاهرة وهذا الانتظام يؤدى إلى انتظام مماثل فى أساليب الرى فى المناطق العديدة لمصر فى وقت زراعة المحاصيل المختلفة وحصادها، وبالتالى فى تحصيل ضرائب الأرض. وجميع التواريخ التى تشير إلى هذه الأعمال تتم على أساس التقويم الشمسى.
ويوجد جدل كبير حول أسباب الفيضان فى الكتابات الواردة عنه وأقدم المعتقدات -التى تتطابق تماما مع الواقع- هو أن سبب الفيضان مياه الأمطار الكثيرة الغزيرة فى البلاد التى ينبع منها النيل وروافده. وقد ظهر هذا الرأى فى شئ من المبالغة فى رواية ترجع إلى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص حيث يقول أن أنهار العالم تمنح مياهها لفيضان النيل بأمر إلهى (ابن عبد الحكم) وهناك آراء أخرى حول أسباب الفيضان منها حركة البحر وتأثير الرياح.
وحتى القرن التاسع عشر كان نظام الرى فى مصر يسير على نفس الأسس فعندما يبدأ الفيضان تغلق كل المنافذ على جانبى النهر وفرعيه الأساسيين فى الدلتا، ثم تفتح بعد ذلك عندما يرتفع الفيضان إلى الارتفاع الضرورى حسب الأمكنة المختلفة ويكتمل الفيضان فى القاهرة عندما يصل إلى ستة عشر ذراعًا وحينذاك يعرف بوفاء النيل. ومنذ الأزمنة القديمة كانت هناك مقاييس للنيل لقياس ارتفاع مستوى النهر. وكان هناك مقياس فى أقصى الجنوب وهو مقياس "علوا" أما أشهر المقاييس فهو مقياس الفسطاط الذى أنشاه أسامة بن زيد المتوفى عام 92 هـ/ 711 م. ونحب أن نذكر أن تنظيم النهر الرئيسى وفروعه يعزى إلى ملوك مصر القدماء وهذا هو الذى ذكره المقريزى اعتمادا على ابن واصف شاه ولكن لم يكن هناك عمل على نطاق