الرِّوَايَةِ أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا هِيَ الثَّالِثَةُ. وَالْأَقْرَبُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِوَجْهِ رُجُوعِهِ إِلَى طَلَاقِ الْبَتِّ، وَيَكُونُ الْوَجْهُ مَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ، انْظُرْ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ الَّتِي حُلِفَ بِعِتْقِهَا، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي حُلِفَ بِطَلَاقِهَا، عُلِّقَ بِهَا الْحَالِفُ، وَيُخْشَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا إِنْ حَنِثَ، فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ الْفِطْرُ، أَوْ غَيْرُ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ عِنْدَ النُّزُولِ، انْتَهَى.

وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ- تَشْبِيهًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الرِّوَايَةِ وَسِيَاقِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ فِطْرَهُ لِلْوَالِدَيْنِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ رِقُّهُ عِلَّةً لِإِدَامَةِ صَوْمِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ: الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْوَالِدِ: (قُلْتُ) : ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَيْخَهُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عَلَيْهِ الْعِلْمَ لَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ يُفْتِي بِأَنَّهُ كَهُوَ، انْتَهَى.

وَإِذَا أَفْطَرَ لِطَاعَةِ وَالِدَيْهِ أَوْ شَيْخِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْقَضَاءِ، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ عِيَاضٍ، انْتَهَى.

وَكَلَامُ عِيَاضٍ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ عِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ أَحَدِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَمَرَهُ بِفِطْرِهِ: ثَوَابُكَ فِي سُرُورِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ بِفِطْرِكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءٍ. فَقَالَ عِيَاضٌ: قَضَاؤُهُ وَاجِبٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ - يَعْنِي ابْنَ مِسْكِينٍ - لِوُضُوحِهِ، انْتَهَى.

وَفِي أَخْذِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْفِطْرُ مُبَاحٌ، فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَا يُعْلَمُ شَيْءٌ يُبَاحُ لِأَجْلِهِ الْفِطْرُ فِي التَّطَوُّعِ، وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ.

وَالْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنِ التَّادَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْضِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) : لَوْ حَلَفَ هَذَا الصَّائِمُ لَيُفْطِرَنَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) : رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ» قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: حَدِيثٌ مُنْكَرُ السَّنَدِ صَحِيحُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ لَهُ فَيَفْسُدَ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُمْ حَتَّى لَا يَخْسَرُوا، انْتَهَى.

ص: (وَكَفَّرَ إِنْ تَعَمَّدَ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا بِمُوجِبِ الْغُسْلِ: وَطْئًا، وَإِنْزَالًا. وَالْإِفْطَارَ بِمَا يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ أَوِ الْمَعِدَةِ مِنَ الْفَمِ، وَأَكْلَ النَّاسِي، وَمُخْطِئَ الْفَجْرَ، وَظَانَّ الْغُرُوبِ لَا يُوجِبُهَا. وَفِي جِمَاعِ النَّاسِي ثَالِثُهَا يَتَقَرَّبُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَيْرِ لَهَا. وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ، انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) : مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تُفْطِرُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَعْلَمُ أَنَّهَا حَاضَتْ قَبْلَ فِطْرِهَا. وَعَنِ ابْنِ حَمْدِيسَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الطَّلَبَةِ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ.

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إِثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُهَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُعْتَقِدًا أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهَا غَرَّ وَسَلَّمَ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

وَمَنْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا عَدَمَ إِتْمَامِ صِلَاتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ تَمَامَهَا كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ التُّونِسِيُّ اخْتَارَ إِبْطَالَهَا لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِإِبْطَالِهَا بِسَلَامِهِ.

وَكَذَا إِنْ حَلَفَ فِي مَسَائِلِ الْغَمُوسِ مُعْتَقِدًا لِلْكَذِبِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى الظَّنِّ أَوِ الْوَهْمَ أَوِ الشَّكِّ لِلْقَطْعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مُوَافَقَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ يَقِينًا. انْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الصَّائِمِ، وَانْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ.

ص: (وَجَهْلٍ) ش: أَيْ بِلَا جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْجَاهِلِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِ.

فَجَعَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ كَالْعَامِدِ، فَقَالَ فِي الَّذِي يَتَنَاوَلُ فَلْقَ حَبَّةٍ: إِنْ كَانَ سَاهِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَالْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَاهِلَ فِي حُكْمِ الْمُتَأَوَّلِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ انْتِهَاكَ صَوْمِهِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، يَظُنُّ أَنَّ الصِّيَامَ الْإِمْسَاكَ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دُونَ الْجِمَاعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ جَامَعَ، انْتَهَى.

ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ سَافَرَ دُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015