سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سُنَّتِهِ» ، قَالَ: جَابِرُ: جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ، وَقَالَ شُعْبَةُ مَثَّلَهُ، رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثٍ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَهِيَ: «أَنَا الضَّامِنُ لَهُ كُلُّ دِرْهَمٍ يُنْفِقُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يُرِيدُ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ حُسِبَ بِسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِمَّنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِنْ تَصَدَّقَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَسَلَامُهُ» قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّوْسِعَةِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، فَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِ ابْنِ الْأَثِيرِ لَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ عَجِيبٌ، قَالَ: وَهَذَا الْكِتَابُ كَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّرٍ، فَإِنَّ فِيهِ عِدَّةَ أَوْهَامٍ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَخَاهُ ذَكَرَ فِي اخْتِصَارِهِ لِجَامِعِ الْأُصُولِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَامَةَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ مِنْهُمَا، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ الْبَتَّةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي وَضْعِهِ، وَأَنْ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنَّ يُقَالَ هَذَا مُؤْمِنٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ جَابِرٍ مِنَ الطَّرِيقِ الْأُولَى.

ثُمَّ رُوِيَ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا: «مِنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ» ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: جَرَّبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ جُزْءٍ لِلْحَافِظِ الْعِرَاقِيِّ نَحْوَ الْكُرَّاسِ. وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنِ العراقي في أماليه أَنَّهُ قَالَ فِي طَرِيقِ جَابِرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الِاسْتِذْكَارِ: إِنَّهَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي الْخِصَالِ الَّتِي يَذْكُرُ أَنَّهَا تُفْعَلُ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ.

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنِ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِالْإِثْمَدِ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ أَبَدًا» ، قَالَ الْحَاكِمُ: إِنَّهُ مُنْكِرٌ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مَوْضُوعٌ، أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَالِاكْتِحَالُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَثَرٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ، ذَكَرَ ذَلِكَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ، وَفِي الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ فِي لَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الْأَهْلِ فِيهِمَا، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: فَيُوَسِّعُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مُرَآةٍ وَلَا مُمَارَاةٍ، وَقَدْ جَرَّبَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَصَحَّ، انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنَ الْفَرَائِضِ: وَيُسْتَحَبُّ التَّوْسِعَةُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ أَوْ لَيْلَةُ الْحَادِي عَشَرَ؟ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَقَدْ ذَكَرُوا فِيمَا يُفْعَلُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ خِصْلَةً: وَهِيَ الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالِاغْتِسَالُ، وَالِاكْتِحَالُ، وَزِيَارَةُ عَالَمٍ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَمَسْحُ رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ. وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عَشْرٌ يَتَّصِلْ ... بِهَا اثْنَانِ لَهَا فَضْلٌ نُقِلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015