انْتَهَى.
ثُمَّ يُفَصِّلُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى مُسْتَفِيضَةٍ وَغَيْرِ مُسْتَفِيضَةٍ بَلْ يَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَامُ رَمَضَانُ وَلَا يُفْطَرُ فِيهِ وَلَا يُقَامُ الْمَوْسِمُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ، انْتَهَى. فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَلَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ بِشَهَادَةِ صَالِحِي الْأَرِقَّاءِ وَلَا مَنْ فِيهِ عَلَقَةُ رِقٍّ وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ فَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشُّهُورِ إلَّا بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: رَأَيْت أَهْلَ مَكَّةَ يَذْهَبُونَ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ فِي الْحَجِّ مَذْهَبًا لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ فِي الشَّهَادَةِ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ إلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَقِيلَ عَنْهُمْ خَمْسِينَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ شَاهِدَا عَدْلٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الدِّمَاءِ وَالْقُرُوحِ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ شَاهِدَيْنِ إلَّا الزِّنَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ هَلْ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ؟ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْجَوَازُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشَاهِدَيْنِ، انْتَهَى.
وَيَعْنِي قَوْلَ سَحْنُونٍ فِي مَسْأَلَةِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الصَّحْوِ بِالْمِصْرِ الْكَبِيرِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَذَكَرَ بَعْدَهُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ رَأَوْا شَأْنَ الْحَجِّ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَعْظَمِ الْحُقُوقِ يُعْتَبَرُ فِيهِ خَمْسُونَ رَجُلًا وَهُوَ الْقَسَامَةُ فِي الدَّمِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَذَا خُصُوصِيَّةَ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ وَيَسْتَقِرَّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: إذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَرْضٌ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ عِلْمُ التَّارِيخِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ رُؤْيَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ إذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَرْضُ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ حُلُولُ دَيْنٍ أَوْ إكْمَالُ مُعْتَدَّةٍ عِدَّتَهَا فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ وَكِتَابِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ أَيْضًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّك اللَّهُ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْت بِاَلَّذِي خَلَقَك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا» ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ مَرَّتَيْنِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَقَالَ: وَفِي أَبِي دَاوُد «كَانَ يَقُولُ: هِلَالُ رُشْدٍ وَخَيْرٍ مَرَّتَيْنِ» ، انْتَهَى. وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِنْ أَبِي دَاوُد مُكَرَّرًا ثَلَاثًا قَالَ الدَّمِيرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ سُورَةَ الْمُلْكِ لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ وَلِأَنَّهَا الْمُنْجِيَةُ الْوَافِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي تَقِيَّ الدِّينَ السُّبْكِيَّ: وَكَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً بِعَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلِأَنَّ السَّكِينَةَ تَنْزِلُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا وَكَانَ