بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبَانِ الْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْأَبِيِّ فِي نَقْلِ كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَمِنْ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي نَقْلِهِ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَعَدَمِ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا نَسَبَهُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ مُؤَاخَذَةً عَلَيْهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَذَكَرَهَا ((قُلْتُ)) وَمَا نَسَبَهُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي لَفْظِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَفْظُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ وَنَصُّهُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَى كَرَاهَتِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّهْرُ كَقَوْلِهِ: صُمْت رَمَضَانَ، وَجَاءَ رَمَضَانُ الشَّهْرُ الْمُبَارَكُ. لَمْ يُكْرَهْ إفْرَادُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كُرِهَ كَقَوْلِهِ: جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرَ رَمَضَانَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَالضَّعْفُ بَيِّنٌ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَرَوَى الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالطَّرِيقُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا كَيْفَمَا قِيلَ: لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَدْ صَنَّفَ جَمَاعَةٌ لَا يُحْصَوْنَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يُثْبِتُوا هَذَا الِاسْمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ جَوَازُ ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» . الْحَدِيثَ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: إذَا كَانَ رَمَضَانُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي رَمَضَانَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِلشَّهْرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ الْجُزُولِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الشَّهْرُ إلَى اسْمِهِ وَيُقَالُ شَهْرُ كَذَا إلَّا رَمَضَانُ وَرَبِيعَانِ فَيُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ شَهْرُ رَجَبٍ وَشَهْرُ شَوَّالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ رَجَبٌ وَشَوَّالٌ، انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُمَا شَهْرَا رَبِيعٍ وَلَا يُذْكَرُ الشَّهْرُ مَعَ أَسْمَاءِ سَائِرِ الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: الشُّهُورُ كُلُّهَا مُذَكَّرَةٌ إلَّا جُمَادَى.
وَقَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يُضَافُ إلَيْهِ شَهْرٌ إلَّا رَمَضَانُ وَالرَّبِيعَانِ وَمَا كَانَ مِنْهَا اسْمًا لِلشَّهْرِ أَوْ صِفَةً قَامَتْ مَقَامَ الِاسْمِ فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الشَّهْرُ إلَيْهِ كَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَنَقَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَجَازَ إضَافَةَ شَهْرٍ إلَى سَائِرِ أَعْلَامِ الشُّهُورِ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَمْ تَسْتَعْمِلْ الْعَرَبُ مِنْ أَسْمَاءِ الشُّهُورِ مُضَافًا إلَى شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ وَرَبِيعَ الْأَوَّلَ وَرَبِيعَ الْآخِرَ وَلَا يُقَالُ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ وَلَا شَهْرُ جُمَادَى، انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ: إنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ اسْمُ الشَّهْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِصَاصِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِذَلِكَ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ جَاءَ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا رَبِيعُ فَلَزِمَهُ الشَّهْرُ؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِفَصْلِ الرَّبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّيهِ رَبِيعًا أَوَّلَ وَالْخَرِيفَ رَبِيعًا ثَانِيًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَبَّابُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَشْهُورُ فِي التَّلَفُّظِ بِاسْمِ الشَّهْرِ مَعَ الشَّهْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ شَهْرُ رَبِيعٍ لَا تَقُولُ جَاءَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخِرُ وَإِنَّمَا تَقُولُ جَاءَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ، وَرَمَضَانُ أَنْتَ فِيهِ مُخَيَّرٌ إنْ شِئْت أَثْبَتَّهُ وَإِنْ شِئْت تَرَكْتَهُ