وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: اشْتَهَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُهَا غَيْرَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ " يَمُونُهُ " لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَإِنَّمَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرهَا الْأَوَّلُ - الْقَرَابَةُ وَذَلِكَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَبَوَيْنِ الثَّانِي - الزَّوْجِيَّةُ وَذَلِكَ فِي زَوْجَةِ الشَّخْصِ فَيُخْرِجُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً، وَكَذَلِكَ عَنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ أَيْضًا خَادِمَ الزَّوْجَةِ وَخَادِمَ زَوْجَةِ الْأَبِ كَمَا قَالَ " وَإِنْ لِأَبٍ وَخَادِمِهَا " وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ عَنْ الزَّوْجَةِ إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ دَعَا إلَى الدُّخُولِ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا مَعَ الْمُسَاكَنَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ كَالْمَدْعُوِّ لِلدُّخُولِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ كَالْمَمْنُوعِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ الْمُتَهَيِّئَةِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ، الْمَشْهُورُ أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا دَعَا إلَى الدُّخُولِ السَّبَبُ الثَّالِثُ - الرِّقُّ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَهْرُومًا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجِبُ عَنْ مُدَبَّرِهِ وَعَنْ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَعَنْ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَنْهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْأَعْمَى وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، قَالَ: وَلَوْ غَابَ الْعَبْدُ غَيْبَةً طَوِيلَةً فِي سَفَرٍ مِنْ غَيْرِ إبَاقٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: فَلِيُؤَدِّ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَوْرُوثِ إذَا لَمْ يُقْبَضْ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَآبِقًا رَجَى " قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ: كَعَبْدٍ خَافَ مِنْ سَيِّدِهِ لِجَرِيمَةٍ ارْتَكَبَهَا فَهَرَبَ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ بِذَلِكَ سَابِقَةٌ وَلَا بِمِنْ يَتَغَرَّبُ وَيَصْبِرُ عَلَى الْأَسْفَارِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ فِعْلَهُ كُلَّ حِينٍ يَهْرُبُ ثُمَّ يَعُودُ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَالْغَائِبِ الَّذِي يُنْتَظَرُ قُدُومُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ حُكْمُ الْآبِقِ إنْ رَجَى خَلَاصَهُ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالزَّكَاةُ عَنْهُ وَذَلِكَ بِسَبَبِ الرِّقِّ السَّابِقِ، قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَيُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ الْمُرْضَعِ إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَسْبَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَسْقُطَ عَنْهُ نَفَقَتُهُ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا فَقَدْ أَلْزَمُوهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ سَنَدٌ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِعِتْقِ الزَّمِنِ، قَالَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً عَنْ الْعَبْدِ، قَالَ سَنَدٌ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْأَصْلِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَمُونُهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ كَمَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَبِيبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ بِنَفَقَتِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيُخْرِجُ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ " هُوَ كَلَامٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَإِنَّ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَرِيبِهِ كَالرَّبِيبِ أَوْ قَرِيبٍ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ بِاتِّفَاقٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا، وَالْمُسْتَأْجَرُ بِنَفَقَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ الْبَائِنُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ كَمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ لَا يَمْنَعُ الْعِصْمَةَ، وَإِنَّمَا يُهَيِّئُهَا لِلْقَطْعِ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ