الْإِمْكَانَ مَا هُوَ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرٌ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَهَذَا الْبَحْثُ جَارٍ فِيمَا يَقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ النِّصَابِ وَمَا يُخْرِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ بَعْدَ النِّصَابِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُخْرِجُ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ.

وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِيهِ تَقْيِيدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: وَحَمَلَهُ الشُّيُوخُ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ فُلُوسٌ فِيهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

(فَائِدَةٌ) الدَّنَانِيرُ فِي الْأَحْكَامِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ كُلُّ دِينَارِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهِيَ دِينَارُ الدِّيَةِ وَدِينَارُ النِّكَاحِ وَدِينَارُ السَّرِقَةِ وَتُسَمَّى دَنَانِيرَ الدَّمِ، وَاثْنَانِ كُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهُمَا دِينَارُ الزَّكَاةِ وَدِينَارُ الْجِزْيَةِ وَتُسَمَّى دَنَانِيرَ الذِّمِّيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَإِنْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَمَالِ الْمَجْنُونِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَصِيُّ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ فِيهِ وَلَا يُنَمِّيهِ فَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بَلْ حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَيَجِبُ فِي مَالِ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ اتِّفَاقًا عَيْنًا أَوْ حَرْثًا أَوْ مَاشِيَةً، وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ النَّقْدَ الْمَتْرُوكَ عَلَى الْمَعْجُوزِ عَنْ إنْمَائِهِ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى إنْ كَانَتْ تَنْمُو بِنَفْسِهَا كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ أَوْ كَانَ نَقْدًا يُنَمَّى بِالتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا تَخْرِيجَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا غَيْرَ مُنَمًّى فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ أَيْضًا وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا خِلَافًا مِنْ مَسَائِلَ وَهِيَ مَا إذَا سَقَطَ الْمَالُ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ أَوْ دَفَنَهُ فَنَسِيَ مَوْضِعَهُ أَوْ وَرِثَ مَالًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَؤُلَاءِ هَلْ يُزَكُّونَ لِسَنَةٍ أَوْ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ أَوْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ وَرَدَّهُ؟ ابْنُ بَشِيرٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَجْزَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ خَاصَّةً مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْعَجْزَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْمَالُ فَلَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَيُلْزِمُ اللَّخْمِيُّ عَلَى تَخْرِيجِهِ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الرَّشِيدِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّنْمِيَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " ضَعِيفٌ " انْتَهَى.

قُلْت: وَلَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ مَذْهَبُنَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ مَلَكَ مِلْكًا حَقِيقِيًّا مُكَلَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا مُهَيَّأٌ لِلنَّمَاءِ، وَإِنَّمَا الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَاجِزًا عَنْ التَّنْمِيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَالِ، انْتَهَى.

وَقَبِلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ صُورِيٌّ ثُمَّ قَالَ: بَلْ يُرَدُّ مَعْنَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِأَنَّ فَقْدَ الْمَالِ يُوجِبُ فَقْدَ مَالِكِهِ وَعَجْزَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوجِبُهُ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الصِّغَارِ فِي الْعَيْنِ، انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ وَالنُّقُولُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[تَنْبِيهَاتٌ الْمُخَاطَبُ بِزَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمُخَاطَبُ بِزَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مَا دَامَا غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلْيُزَكِّ وَلِيُّ الْيَتِيمِ مَالَهُ وَيُشْهِدْ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَنَصُّهُ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَعَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُزَكِّيَ مَالَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَيِّنَهُ يَقُولُ هَذَا زَكَاةُ فُلَانٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَإِنْ أَضَاعَ الْإِعْلَانَ بِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا كَانَ مَأْمُونًا، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُزَكِّي الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ مَالَهُ وَيُشْهِدُ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ.

وَهَذَا يَحْسُنُ فِي كُلِّ بَلَدٍ الْقَضَاءُ فِيهِ بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَلَوْ كَانَ بَلَدٌ فِيهِ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ لَرَأَيْت أَنْ يُرْفَعَ إلَى حَاكِمِ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ أَمَرَهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015