وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: النَّوَافِلُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ حَتَّى أَنَّ سَعِيدًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى جِنَازَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَرَأَى أَنَّ مَا فَعَلَ أَفْضَلُ، قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى ذَلِكَ إلَّا فِي جِنَازَةِ الرَّجُلِ الَّذِي تُرْجَى بَرَكَتُهُ فَإِنَّ شُهُودَهُ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ أَحَدٍ تُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا يُقْتَضَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ سَادَاتِ الْأُمَّةِ وَأَهْلَ الْفَضْلِ لَمْ تَزَلْ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ تُلَازِمُ مَسَاجِدَهُمْ وَزَوَايَاهُمْ مَعَ قَطْعِهِمْ بِوُجُودِ الْجَنَائِزِ فِي مِصْرِهِمْ فَلَوْ كَانَ حُضُورُهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ لَكَانَتْ الْأَئِمَّةُ يُؤْثِرُونَهَا عَلَى سَائِرِ النَّوَافِلِ وَلَوْ فَعَلُوهُ لَمَا اتَّصَلَ الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى.
فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، (الثَّانِي) : أَنَّهَا سُنَّةٌ، (الثَّالِثُ) : أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالسُّنَّةِ وَأَنَّ سُنِّيَّتَهَا دُونَ سُنِّيَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْأَوْقَاتِ مَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: هِيَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهَا وَيَدُلُّنَا عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» وَلَا تُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ إلَّا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَتْ تَفُوتُ بِالْتِمَاسِ الْمَاءِ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْمَاضِينَ كَرِهَهُ إلَّا مَالِكٌ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْإِمَامَةُ فَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إمَامٍ؛ أُعِيدَتْ مَا لَمْ تَفُتْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً فِيهَا لَمْ يَقْطَعْ وَلَمْ يُعِدْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُقْضَى وَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْمُؤَقَّتَاتِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا تُقْطَعُ فَإِنْ ذَكَرَ الْجِنَازَةَ فِيهَا اسْتَخْلَفَ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ الْجِنَازَةُ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَا تُجْزِئُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الرَّغَائِبِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْزِئَهُمْ انْتَهَى
(الْخَامِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَاسْتَأْنَفَ إنْ قَهْقَهَ، أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَخْلِفُ وَيَتَأَخَّرُ مُؤْتَمًّا وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ انْتَهَى
(السَّادِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا بَعْدَهُ، أَوْ تَجِبُ فِيهَا، أَوْ لَا تُعَادُ مُطْلَقًا؟ أَقْوَالٌ.
(السَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا يَدْخُلُ فِي الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْوَ، وَلَوْ أَتَى بِالثَّانِيَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْأُولَى فَسَهَا الْإِمَامُ فَنَوَى إحْدَى الْجِنَازَتَيْنِ وَمَنْ خَلْفَهُ يَنْوِيهِمَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُعَادُ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ يَنْوِهَا الْإِمَامُ دُفِنَتْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَصْلُ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ غَالِبُهَا فِي التَّوْضِيحِ خُصُوصًا فُرُوعُ الشَّامِلِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصَايَا: فَائِدَةٌ مِمَّا اُخْتُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْغَنَائِمُ، وَثُلُثُ الْمَالِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ وَكَفْنِهِ بِسُكُونِ الْفَاءِ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ الثَّوْبُ، نَقَلَهُ الْقَبَّابُ عَنْ عِيَاضٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَمَا حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ سَتْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ خِلَافٌ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ الْغُسْلِ فَقَدْ شَهَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ وَلَكِنَّ الْوُجُوبَ أَقْوَى وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَلَى تَصْحِيحِهِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَعْزِهِ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا لَأَصْبَغَ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ