- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِلَّا لَمَا كَانَ يُبَاحُ مَا يَحْبِسُ عَنْ الْفَرْضِ وَقَدْ أَبَاحَتْ السُّنَّةُ لِآكِلِ الثُّومِ التَّخَلُّفَ عَنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَكْلَهُ مُبَاحٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا نُودِيَ لَهَا حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ كُلُّ مَا يَحْبِسُ مِنْ بَيْعٍ وَقُعُودٍ وَرُقَادٍ وَصَلَاةٍ وَكُلُّ مَا يُشْغَلُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْهَا وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ حَاضِرًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَحْبِسُهُ عَنْهَا.
فَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضًا؛ كَانَ أَكْلُ الثُّومِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ حَرَامًا وَقَدْ ثَبَتَتْ إبَاحَتُهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي إخْرَاجِ آكِلِ الثُّومِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُتَأَذَّى بِهِ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ جِيرَانُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَكُونَ ذَرِبَ اللِّسَانِ سَفِيهًا مُسْتَطِيلًا أَوْ كَانَ ذَا رَائِحَةٍ لَا تُؤْلِمُهُ لِسُوءِ صِنَاعَتِهِ أَوْ عَاهَةٍ مُؤْذِيَةٍ كَالْجُذَامِ وَشِبْهِ أَذًى، وَكُلُّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ إذَا وُجِدَ فِي أَحَدِ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ وَأَرَادُوا إخْرَاجَهُ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِبْعَادَهُ عَنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً فِيهِ حَتَّى تَزُولَ فَإِذَا زَالَتْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِتَوْبَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ زَالَتْ كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ شَاهَدْت شَيْخَنَا أَبَا عُمَرَ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى فِي رَجُلٍ تَشَكَّاهُ جِيرَانُهُ وَأَثْبَتُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ فِي الْمَسْجِدِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ فَأَفْتَى بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِبْعَادِهِ عَنْهُمْ وَأَنْ لَا يَشْهَدَ مَعَهُمْ الصَّلَاةَ انْتَهَى.
وَذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الثُّومِ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ.
عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَعَلَى مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا نِيًّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَلِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَكَانَ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ وَاجِبًا وَجَبَ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الرَّوَائِحِ انْتَهَى مِنْ تَبْصِرَتِهِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حُضُورِ الْأَجْذَمِ: وَهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُونَ فِيهِ مِمَّا تُجْزِئُ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدُوا؛ لَوَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَمُنِعَتْ الْمُخَالَطَةُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُنَا حِينَئِذٍ إقَامَةُ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ النَّاسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ إذَا ضَاقَ بِأَهْلِهِ وَأَتَوْا الصَّلَاةَ مُتَمَيِّزِينَ عَنْ النَّاسِ فِي الْأَفْنِيَةِ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ النَّاسَ ضَرَرُهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ إذَا صَلَّوْا بِمَكَانٍ لَا يَلْحَقُ ضَرَرُهُمْ النَّاسَ وَكَانَ الْمَكَانُ مِمَّا تُجْزِي فِيهِ الْجُمُعَةُ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ وَلَا رِحَابَهُ يَشْهَدُ الْجُمُعَةُ. فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ أَشَارَ إلَى اجْتِنَابِ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خَاصَّةً وَاجْتِنَابِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ بِالرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ دُونَ أَنْ يُشِيرَ إلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا قَالَهُ فِي أَكْلِ الثُّومِ إذَا مُنِعَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ هَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ بِالْفِنَاءِ مَعَ اتِّسَاعِ الْجَامِعِ لِدُخُولِهِ مُجْزِئَةً عِنْدَ مَنْ رَأَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْأَفْنِيَةِ اخْتِيَارًا مَعَ سَعَةِ الْجَامِعِ لَا تُجْزِئُ فِي الْجُمُعَةِ لِكَوْنِ هَذَا مَمْنُوعًا مِنْ الدُّخُولِ إلَى الْجَامِعِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ مَنْ صَلَّى بِالْفِنَاءِ وَقَدْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَسَادٌ لِسَعَةِ الْجَامِعِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَرَدَهُ الشَّرْعُ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ انْتَهَى.
ص (كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ بِلَيْلٍ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ.
(فَرْعٌ) أَمَّا الْحَرُّ وَالشَّمْسُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ قَاطِعٍ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِيمُهَا فِي حَرِّ أَرْضِ الْحِجَازِ بِأَصْحَابِهِ وَيَقْصِدُونَ فِنَاءَ الْحِيطَانِ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَبْتَغِي الْفَيْءَ، أَوْ قَالَ: الظِّلَّ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ ذَلِكَ تُحْتَمَلُ وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَقَلَّبُونَ فِي