بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ (تَنْبِيهٌ) تَعَارَضَ هُنَا مَحْذُورٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُفَارِقَةٌ الْإِمَامَ بَعْدَ الْتِزَامِهِ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي الْحَرَكَاتُ إلَى الْإِمَامِ فِعْلٌ زَائِدٌ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا بُدَّ لِلرَّاعِفِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ فَالْمَشْهُورُ مُرَاعَاةُ الْأَوَّلِ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ لِأَوْجُهِ أَحَدِهَا. إنَّ وُجُوبَ الِاقْتِدَاءِ رَاجِحٌ بِالِاسْتِصْحَابِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الرُّعَافِ بِخِلَافِ الْآخِرِ، وَثَانِيهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَمْنَعُ وَتُفْسِدُ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الْقِرْبَةِ وَهَذِهِ وَسِيلَةٌ إلَى الْقِرْبَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ فَتَكُونُ قِرْبَةً وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَتُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِي تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ هُوَ الْأَصْلُ فَالْإِتْيَانُ بِهِ أَرْجَحُ فَتَأَمَّلْهُ.
(التَّاسِعُ) إذَا ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ، وَقُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ فَخَالَفَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ مَكَانَهٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَحَدُ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا بَطَلَتَا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَيَشْرَحُهُ: إنْ وَافَقَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ خَالَفَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ فَإِنْ تُبُيِّنَ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا لِغَيْرِهِ بَلْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ وَلَوْ تَبَيَّنَ خِلَافَ ظَنِّهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَنَصُّهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ وَبَنَى فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ تُبُيِّنَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَالُوا مِنْ غَيْرِ خِلَافِ الشَّيْخِ وَإِنْ كَانَ اخْتَلَفَ فِيمَنْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هَلْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ كَمَنْ صَلَّى خَامِسَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ انْتَهَى.
(الْعَاشِرُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا التَّقْسِيمُ ظَاهِرٌ فِي الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُتِمُّ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ بِمَوْضِعِ غَسْلِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْحَادِيَ عَشَرَ) مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا لِلْجَامِعِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ أَوْ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَبْنِي فِي أَقْرَبِ مَسْجِدٍ إلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرُ تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْجَامِعِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ: أَوْ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَإِنْ أَتَمَّ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْجَامِعِ فَضِيلَةٌ وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِأَوَّلِ الْجَامِعِ فَإِنْ تَعَدَّاهُ بَطَلَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ بِلَفْظِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَبْنِي فِي أَدْنَى مَوْضِعٍ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْمَسْجِدُ وَأَنَّ مَا يُصَلِّيهَا مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِضَرُورَةِ الزِّحَامِ وَلَا يَجِدُ مَكَانًا وَهَذَا الرَّاعِفُ إنَّمَا يُتِمُّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَبِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشُّرُوطِ وَقَدْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ فَلَا يَجِبُ الْجَامِعُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ ثَمَّةَ أَحَدٌ رَكْعَةً وَهُوَ مَسْبُوقٌ وَاتَّصَلَتْ بِهِ الصُّفُوفُ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَانْفَضَّ النَّاسُ فَإِنَّمَا يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْمَسْجِدِ فَقَدْ صَارَ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ إذَا وَصَلَ لِأَوَّلِ مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ طُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ يُتِمُّ هُنَاكَ، قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَهَا فِي الْجَامِع وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّه - تَعَالَى - أَعْلَم.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ