وَأَصْلُ اشْتِقَاقِهِ مِنْ السَّبْقِ لِسَبْقِ الدَّمِ إلَى أَنْفِهِ وَمِنْهُ رَعَفَ فُلَانٌ الْخَيْلَ إذَا تَقَدَّمَهَا، وَقِيلَ مِنْ الظُّهُورِ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا لُغَتَيْنِ رَعَفَ يَرْعُفُ كَنَصَرَ يَنْصُرُ وَرَعَفَ يَرْعَفُ كَكَرَمَ يَكْرُمُ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَذَكَرَهَا فِي الْقَامُوسِ وَزَادَ أَيْضًا رَعِفَ يَرْعَفُ كَسَمِعَ يَسْمَعُ وَرُعِفَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرُّعَافُ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الرُّعَافَ يُطْلَقُ عَلَى خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْأَنْفِ وَعَلَى الدَّمِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ بِضَمِّ الرَّاءِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الرُّعَافَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ أَنْ يُقْطَعَ فَإِنْ دَامَ وَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَيُصَلِّيهَا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ إيمَاءً، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ بِحَدَثٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ فَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَنْقُضُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِآخِرِ الْوَقْتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو انْقِطَاعَهُ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنُ يُونُسَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ مَعَ عِلْمِ الدَّوَامِ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الرُّعَافُ يَنْقَسِمُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَاحِبُهُ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ وَيَزِيدُ فِي رُعَافِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يُلَطِّخَهُ الدَّمُ أَوْمَأَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا إيمَاءً.

ثُمَّ قَالَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَائِمٍ يَنْقَطِعُ فَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ مَا لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْقَامَةُ لِلظُّهْرِ وَالْقَامَتَانِ لِلْعَصْرِ وَقِيلَ بَلْ يُؤَخِّرُهُمَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ جُمْلَةً بِأَنْ يَتَمَكَّنَ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَيَخْشَى أَنْ لَا يُدْرِكَ تَمَامَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ انْتَهَى

ثُمَّ ذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَهُ الرُّعَافُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَفْصِيلُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ سَوَاءٌ أَصَابَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ أَوْمَأَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ.

وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي إذَا رَعَفَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ الدَّمُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا الْمَفْرُوضِ عَسَاهُ أَنْ يَنْقَطِعَ فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ صَلَّى حِينَئِذٍ انْتَهَى، فَفَهِمَ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ صَلَّى حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ وَالْكَلَامُ مُحْتَمَلٌ لَهُ وَلَكِنَّ التَّقْيِيدَ ظَاهِرٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ الثَّانِي لَمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ الْقَوْلَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَوْ الضَّرُورِيِّ وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِمَا أَرْجَحِيَّةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْت وَقَدْ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَشْهِيرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَتَرَدَّدَ الشَّارِحُ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ أَوْ الضَّرُورِيُّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّرُورِيُّ.

قَالَ: لِأَنَّهُ وَقْتٌ مَفْرُوضٌ لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ قُلْتُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَعَطَفَ الثَّانِي بِقِيلَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ لِتَصْدِيرِهِ بِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ بِقِيلَ انْتَهَى، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ إذَا صَدَّرُوا بِقَوْلٍ وَعَطَفُوا عَلَيْهِ بِقِيلَ فَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَعْزُوا الْأَوَّلَ لِأَحَدٍ بَلْ نَقَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّانِي لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ: وَغَيْرُ الدَّائِمِ يُؤَخِّرُ لَكِنَّهُ مَا لَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015