الْمُكَفِّرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ} ، وَبَيَّنَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يَقُولُ: رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا. إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَقَوْلِهِ: " وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " كَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِيهَا أَيْضًا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، عَلَى قَوْلِهِ: وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: " وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا " وَقَالَ فِيهَا: " وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا " قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا: فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا رَسُولًا.
(قُلْتُ) وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ لَمَّا ذَكَرَ أَذْكَارَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، فَقَالَ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " نَبِيًّا "، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ الْإِنْسَانُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: " نَبِيًّا وَرَسُولًا " وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَكَانَ عَامِلًا بِالْحَدِيثِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي مَرَّةٍ: " أَشْهَدُ " وَفِي مَرَّةٍ: " وَأَنَا أَشْهَدُ "؛ لِيَعْمَلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ.
(الثَّامِنُ) زَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَالْفَضِيلَةَ " " وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ "، قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةَ: لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، قَالَ وَكَانَ مَنْ زَادَهَا اغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشِّفَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَتِهَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ عَلَّمَ عَلَيْهَا كَاتِبُهَا بِمَا يُشِيرُ إلَى الشَّكِّ فِيهَا، وَلَمْ أَرَهَا فِي سَائِرِ نُسَخِ الشِّفَاءِ، بَلْ عَقَدَ لَهَا فِي الشِّفَاءِ فَصْلًا فِي مَعَانٍ أُخَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حَدِيثًا صَرِيحًا، وَهُوَ دَلِيلٌ لِغَلَطِهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ: فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِهِ فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقَعَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَالْمُحَرَّرِ بَعْدَ " وَالْفَضِيلَةَ " زِيَادَةُ " وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ " وَلَا وُجُودَ لَهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ.
(التَّاسِعُ) الْمُرَادُ بِالدَّعْوَةِ التَّامَّةِ: الْأَذَانُ وُصِفَتْ الدَّعْوَةُ بِالتَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ وَيُدْعَى بِهَا إلَى عِبَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: " وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ " أَيْ: الصَّلَاةِ الَّتِي سَتُقَامُ وَتُفْعَلُ " وَالْوَسِيلَةَ " أَصْلُهَا مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ: بِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِأَنَّهَا قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلُهُ، وَالْأُخْرَى مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ، وَقَوْلُهُ: " الَّذِي وَعَدْتَهُ " بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: " مَقَامًا مَحْمُودًا " لَا نَعْتٌ عَلَى رِوَايَةِ التَّنْكِيرِ، وَنَعْتٌ عَلَى رِوَايَةِ التَّعْرِيفِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ " وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَزِيدُهُ بِكَثْرَةِ دُعَاءِ أُمَّتِهِ رِفْعَةً كَمَا زَادَهُ بِصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ بِنَيْلِ الْأُجُورِ وَوُجُوبِ شَفَاعَتِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ " حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ " قَالَ فِي الْإِكْمَالِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ يَعْنِي حَلَّتْ عَلَيْهِ: غَشِيَتْهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ " حَلَّتْ " بِمَعْنَى: وَجَبَتْ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: حَلَّ يَحِلُّ: وَجَبَ، وَحَلَّ يَحُلُّ: نَزَلَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَحَلَّ الْعَذَابُ يَحِلُّ بِالْكَسْرِ أَيْ: وَجَبَ، وَيَحُلُّ بِالضَّمِّ نَزَلَ، وَقُرِئَ بِهِمَا: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] انْتَهَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَكَأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ " كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرُ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَثَرِ أَذَانِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: الرَّكْعَتَانِ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ إلَّا عَلَى أَثَرِ أَذَانِ الْمَغْرِبِ قَالَ فَضْلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا: يَقُولُ أَدْرَكْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ إذَا سَمِعَ مُؤَذِّنَ الْمَغْرِبِ قَامَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا مِنْ الْعَمَلِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ: وَالرُّكُوعُ بِأَثَرِ الْأَذَانِ وَاسِعٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْكَعَ أَثَرَ الْأَذَانِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ انْتَهَى. هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَيُكْرَهُ لَهُ الرُّكُوعُ عِنْدَ الْأَذَانِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ سُنَّةً، فَأَمَّا إنْ صَادَفَ ذَلِكَ