شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَأَمَّا الْمَعْنَيَانِ الْأَوَّلَانِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُمَا وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ الْحَدَث كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَتَكَلُّفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَالْخَبَثُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ النَّجَاسَةُ وَإِنَّمَا قَالَ: حُكْمُ الْخَبَثِ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَأَمَّا حُكْمُهَا وَهُوَ كَوْنُ الشَّيْءِ نَجَسًا فِي الشَّرْعِ لَا تُبَاحُ مُلَابَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغِذَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ وَالسَّيْفُ الصَّقِيلُ وَنَحْوُهُ إذَا مُسِحَ وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ إذَا دُلِّكَا مِنْ أَبْوَالِ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثِهَا فَالْمَحِلُّ مَحْكُومٌ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ.
وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ خِلَافًا لِمَا قَدْ تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْبِسَاطِيِّ وَقَدْ عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مَوْضِعَ الِاسْتِجْمَارِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَعْفُوَّاتِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَعْنِي قَوْلَهُ أَنَّ إطْلَاقَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَعْفُوِّ مُجَازٌ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَعْفُوَّاتِ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيِّ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي إطْلَاقَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا شَرْعًا فَتَأَمَّلَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ رَافِعَ الْحَدَثِ وَحُكْمَ الْخَبَثِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الرَّفْعِ لِلْمَاءِ مُجَازٌ وَتَصْدِيرَ الْبَابِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَسِيَاقِهَا مَسَاقُ الْحَدِّ لِمَا يُرْفَعُ بِهِ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ أَدَاةُ حَصْرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ.
وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ حَكَى الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ نُوزِعَ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا حُكْمُ الْخَبَثِ فَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
(تَنْبِيهٌ) وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَالْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ التَّطَهُّرُ مِنْ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْمَسْنُونَاتِ وَالْقُرْبِ بِمَائِعٍ سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ انْتَهَى، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَعْرِيفِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَالْمُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ مَا أُزِيلُ مِنْهُ الْقَيْدُ الْحِسِّيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةٌ فِيمَا أُزِيلَ مِنْهُ الْحِسِّيُّ مَجَازٌ فِيمَا أُزِيلَ مِنْهُ الْقَيْدُ الْمَعْنَوِيُّ؟ طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْجَمْعِ وَعُزَّى الْأُولَى لِابْنِ رَاشِدٍ وَشَيْخِهِ الْقَرَافِيِّ وَالثَّانِيَةُ لِابْنِ هَارُونَ وَأَبِي عَلِيٍّ قَالَ: وَاسْتَعْمَلَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ انْتَهَى. وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مَجَازًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَاخْتَلَفَ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفٍ فَعَرَّفَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوِرَةِ مُلْحَقًا بِالْمُطْلَقِ فِي كَوْنِهِ طَهُورًا فَالْمُطْلَقُ عِنْدَهُمْ أَخُصُّ مِنْ الطَّهُورِ وَجَعَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ عَسْكَرٍ وَغَيْرُهُمَا الْمُطْلَقَ مُرَادِفًا لِلطَّهُورِ فَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مِمَّا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَلَا مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوَرَةِ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فَأَدْخَلَهَا كُلَّهَا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَعَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ اسْمُ مَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِضَافَةٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيْ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مَاءً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ هُوَ الَّذِي يَكْتَفِي بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ مَعْنَاهُ مَا صَحَّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ جُزْئِيَّاتُ الْمُطْلَقِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعَرَّفُ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا أَوْرَدَهُ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ التَّصْدِيقَ عَلَى التَّصَوُّرِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمُطْلَقِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِأَنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ بِالْمُطْلَقِ فَلَمَّا جَرَى فِي كَلَامِهِ