الْمُطْلَقَةَ فَأَمَّا أَوْقَاتُ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي بَابِهَا، وَكَذَلِكَ وَقْتُ الرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي أَوْقَاتِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَمِنْ النَّفْلِ مَا يُقَيَّدُ بِالْإِضَافَةِ لِوَقْتِهِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيَامِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ بِالْإِضَافَةِ لِسَبَبِهِ كَالرُّكُوعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّفْلِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ أَوْقَاتَ النَّافِلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: وَقْتُ تَحْرِيمٍ وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَبَيَّنَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ مَا عَدَاهُمَا وَذَكَرَ أَنَّ النَّافِلَةَ تَحْرُمُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالْأَوْقَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَالْمَمْنُوعَةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَمْرَاءَ إلَى بَيَاضِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا صَفْرَاءَ إلَى ذَهَابِهَا وَعِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إلَّا التَّحِيَّةَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ ظُهُورِ حَاجِبِ الشَّمْسِ مِنْ الْأُفُقِ حَتَّى يَرْتَفِعَ جَمِيعُهَا قِبَلَ الْأُفُقِ، وَبِالْغُرُوبِ إلَى مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ الَّذِي يَلِي الْأُفُقَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ جَمِيعُ قُرْصِهَا وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغِيبَ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ غَالِبُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ هُنَا الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّهْيِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا أَوْقَاتُ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ إيقَاعِهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ.

(الثَّانِي) إنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: " وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ النَّفَلَ يَحْرُمُ لِخُرُوجِ الْإِمَامِ أَيْ: بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْخُطْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى ذِكْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ فِي جَمْعِ النَّظَائِرِ مُجْمَلَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا.

(الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْنَعُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً صَلَّاهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ.

(الرَّابِعُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْخُطَبِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُمْنَعُ لِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَلَيْسَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا كَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ فَقَالَ وَاحْتُرِزَ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ خُطْبَةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْمَنْعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ، وَلَا يُصَلِّي وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِي خُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَالْإِنْصَاتُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَحْرُمُ فِيهَا النَّافِلَةُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ النَّافِلَةِ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّةِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الَّتِي أُقِيمَتْ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الطَّعْنِ عَلَى الْإِمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ خَاصًّا بِالنَّافِلَةِ بَلْ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا الْإِمَامُ؟ وَمِثْلُ هَذَا تَنَفُّلُ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا وَتَنَفُّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ فَالْمَنْعُ مِنْ النَّفْلِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْوَقْتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015