لِلْمُقَصِّرِينَ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِسْفَارُ بِالصُّبْحِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِسْفَارَ إسْفَارَانِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا انْتَهَى وَفِي التَّنْبِيهَاتِ نَحْوُهُ، وَالْمَعْنَى صَلُّوهَا حِينَ يَتَّضِحُ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَقَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْفَجْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ فِيهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ غَيْرَهَا أَعْظَمُ مِنْهَا أَجْرًا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّا لَمْ نُرِدْ حَالَةَ الْتِبَاسِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ وُضُوحَ الْفَجْرِ يَتَفَاوَتُ فَأُمِرَ الْمُصَلِّي بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوحِ التَّامِّ وَالْبَيَانِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ الْتِبَاسٍ، وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالصُّبْحِ قَالَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُسَافِرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَتَرَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ؟ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ قَلِيلًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تُؤَخَّرَ قَلِيلًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ فِعْلِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ. الثَّانِي أَنْ يَسْتَيْقِنَ دُخُولَ الْوَقْتِ وَيَتَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ خَفِيٌّ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِظُهُورِ زِيَادَةِ الظِّلِّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا يَعْنِي ظُهْرًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا إذْ لَمْ يَعْرِضْ فِي الْفَذِّ عَارِضٌ يَنْقُلُهُ إلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقِيلَ: الْمُنْفَرِدُ كَالْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ.

(قُلْتُ:) هَكَذَا حَكَى الْبَاجِيّ عَنْ الْقَاضِي وَاَلَّذِي لَهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْمَعُونَةِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِلْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَذِّ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّعْجِيلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الذِّرَاعِ لِعُمُومِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى الظُّهْرَ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ انْتَهَى.، وَلَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ إلَّا لِلْقَاضِي فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَذَّ وَالْجَمَاعَةَ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَإِلَيْهِ مَالَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَلَمْ يَتَلَفَّتُوا إلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، حَمَلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ حَمْلُهُ بِصَحِيحٍ وَخَصَّصَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي إبْرَادِ الْمُنْفَرِدِ بِالصَّيْفِ قَالَ: وَلَا يُبْرِدُ الْمُنْفَرِدُ فِي الشِّتَاءِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عَزْوِ هَذَا الْقَوْلِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِالْمُنْفَرِدِ الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَيْ: كَأَهْلِ الزَّوَايَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلْحَاقُ اللَّخْمِيِّ الْجَمَاعَةَ الْخَاصَّةَ كَالْفَذِّ أَوَّلَ الْوَقْتِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَلَامُهُ فِي التَّبْصِرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَكُونُوا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ، وَلَا يُؤَخِّرُونَ انْتَهَى.

قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: كَالْجَمَاعَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ أَهْلُ الرُّبُطِ وَالزَّوَايَا وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ انْتَهَى. وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي كَلَامَ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا كَأَهْلِ الرَّبْطِ وَالْمَدَائِنِ كَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ هِيَ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) تَعْلِيلُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِدْرَاكِ النَّاسِ الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) قَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015