فَلَهُ كَذَا وَالنَّوَافِلُ مَا قَرَّرَ الشَّرْعُ أَنَّ فِي فِعْلِهِ ثَوَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَوْ يُرَغِّبَ فِيهِ أَوْ يُدَاوِمَ عَلَى فِعْلِهِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فَهُوَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ فِي أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَتَرَكَهُ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَيُسْمَى رَغِيبَةً، وَمَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَسْمِيَتُهُ سُنَّةً الْتِفَاتًا إلَى الْمُوَاظَبَةِ. وَالثَّانِي تَسْمِيَتُهُ فَضِيلَةً الْتِفَاتًا إلَى تَرْكِ إظْهَارِهِ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُطْلِقُ الْمُسْتَحَبَّ وَالْفَضِيلَةَ عَلَى مَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَيُقَسِّمُ السُّنَّةَ إلَى مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ عَادَتِهِمْ أَيْضًا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ الْجَوَازِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْمُبَاحَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ: الْجَوَازُ يُطْلَقُ بِتَفْسِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ الْإِقْدَامِ كَيْفَ كَانَ حَتَّى يَنْدَرِجَ تَحْتَهُ الْوُجُوبُ. وَثَانِيهِمَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ الْمُبَاحُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَجِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ: وَالْوَاجِبُ لَهُ مَعْنَيَانِ: مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ. الثَّانِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ؛ كَقَوْلِنَا: الْوُضُوءُ وَاجِبٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ تَرَكَ الْمُتَطَوِّعُ ذَلِكَ وَتَرَكَ التَّطَوُّعَ لَمْ يَأْثَمْ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَاعِدَةُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّوَايَاتِ أَقْوَالُ مَالِكٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ أَقْوَالُ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَنَحْوِهِمْ وَقَدْ يَقَعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَبِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ
وَالْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي السَّابِعِ فَقِيلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقِيلَ سَالِمٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَظَمَهُمْ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ
أَلَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ ... فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنْ الْحَقِّ خَارِجَهْ
فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٍ ... سَعِيدُ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ
فَمَشَى عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَالْمَدَنِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ مَسْلَمَةَ وَنُظَرَائِهِمْ
وَالْمِصْرِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنُظَرَائِهِمْ وَالْعِرَاقِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَن بْنِ الْقَصَّار وَابْنِ الْجَلَّابِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ وَنُظَرَائِهِمْ وَالْمَغَارِبَةُ يُشَارُ بِهِمْ إلَى الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ الْقَابِسِيِّ وَابْنِ اللَّبَّادِ وَالْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَاضِي سَنَدٍ وَالْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْمَدَارِكِ فِي أَوَّلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ وَهُوَ أَبُو مُوسَى بْنُ شَاسٍ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْمَدَارِكِ وَابْنِ شَعْبَانَ هُوَ صَاحِبُ الزَّاهِي وَهُوَ ابْنُ الْقُرْطِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبَعْدَ الرَّاءِ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ سَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ: إذَا قَالَ: أَصْلُ الْخِلَافِ كَبِيرُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ وَأَبَا حَنِيفَةَ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) مِنْهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْمَاءُ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، قَالَ: حَذَّرُوا أَيْ الشُّيُوخُ مِنْ إجْمَاعَاتِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاتِّفَاقَاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَخِلَافِيَّاتِ الْبَاجِيِّ فَإِنَّهُ يَحْكِي الْخِلَافَ