وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ أَعْنِي اخْتِصَارَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى هَذَا وَقَالَ: إنَّمَا وَقَعَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ مَا ذَكَرُوهُ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ عُمُومًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَلِيلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا قَالَ نَعَمْ، وَلَمْ يَنْقُلْ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ كَمَا يَنْبَغِي وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى الْحَصْبَاءِ أَوْ الْجَبَلِ، وَلَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجِدُ تُرَابًا أَسَاءَ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا لَمْ يُعِدْ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يُعِيدُ وَاجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: نَقَلَ الْبَرَاذِعِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ وَالثَّلْجِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا فَشُرِطَ ذَلِكَ بِعَدَمِ التُّرَابِ وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ جَرَى فِي السُّؤَالِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى غَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ وَقَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمَ وَكَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَبِلَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتُّرَابِ أَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَدَرَ، وَلَا يُخْتَلَفُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ، وَلَوْ نُقِلَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التُّرَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ مَنْقُولًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلتُّرَابِ حُكْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) جَوَازُ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَالَغَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ نُقِلَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ إلَى الْحُكْمَيْنِ مَعًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ إطْلَاقَاتُ بَعْضِهِمْ تَتَنَاوَلُهُ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِلَوْ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِهِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إذَا عُمِلَ فِي وِعَاءٍ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَاسْمُ الصَّعِيدِ بَاقٍ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَرْضٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ نَحْوُ مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَمْيَالِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَهِيَ أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْمِلْحِ وَالثَّلْجِ مَا نَصُّهُ: (فَرْعٌ) حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الرُّخَامِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعَادِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُرَادُهُ بِالرُّخَامِ أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِهِ بَعْدَ نَشْرِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ وَخِدْمَتِهِ وَصَقْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، انْتَهَى.
وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ.
(فَرْعٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ حَدِيثُ الْوَادِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى مَقْبَرَةِ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ طَاهِرًا نَظِيفًا جَائِزٌ، انْتَهَى.
ص (وَثَلْجٍ)
ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ نَاجِي فَإِنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ قَالَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ التُّرَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَعَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّيَمُّمِ بِالثَّلْجِ فَأَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ وَمَنَعَهُ فِي مُدَوَّنَةِ أَشْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَهُوَ عِنْدَهُ كَالْعَدَمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ بِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّعِيدِ أَعَادَ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ أَعَادَ مَا لَمْ يَذْهَبْ الْوَقْتُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَاءِ الْجَامِدِ وَالْجَلِيدِ قِيَاسًا عَلَى الثَّلْجِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: وَفِي