كَانَ أَمْوَالَ غُرَمَائِهِ، وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِشُبْهَةٍ لِتَسَلُّطِ الْغُرَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ فَحَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْخِلَافِ، وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْوِفَاقِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: قَالَ الشَّيْخُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَنْ الْمُقَاطَعَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا غَرِمَ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْ السَّيِّدِ وَمَضَى عِتْقُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا افْتَرَقَ الْجَوَابُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِنَّمَا قَضَى مِنْ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ أَوْ مِنْ وَدِيعَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ يُرْجَى لَهُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى رُدَّ فِي الرِّقِّ وَسَقَطَتْ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ اُتُّبِعَ بِذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ أَعْتَقَهُ عِنْدَمَا دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمَالِ، وَتَشَاهَدَا أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْكِتَابَةِ أَوْ فِي الرِّقِّ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ أَنْ طَالَ أَمْرُهُ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَرِثَ الْأَحْرَارُ فَيُسْتَحْسَنُ أَنْ لَا يُرَدَّ انْتَهَى.
وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إذَا قَاطَعَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَتَحْصِيلُهُ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا غَرِمَ لِلسَّيِّدِ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَمَضَى عِتْقُهُ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عِتْقَهُ مَرْدُودٌ جُمْلَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَالثَّانِي أَنَّ عِتْقَهُ مَاضٍ وَلَا يُرَدُّ وَيَتْبَعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ فِي الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ فَيَمْضِي عِتْقُهُ وَيُتْبَعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ فَيَرُدُّ السَّيِّدُ عِتْقَهُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطَعُ عَلَى وَدِيعَةٍ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ أَوْ يَقْصُرَ فَيَمْضِي عِتْقُهُ مَعَ الطُّولِ وَيُرَدُّ مَعَ الْقُرْبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ عِتْقِهِ هَلْ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ أَوْ إلَى الْحُرِّيَّةِ؟ الْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُسْتَقْرَأَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لَا إلَى الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى كِتَابَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ، وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرْجَى لَهُ مَالٌ فَيُرَدُّ إلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ فَيُرَدُّ إلَى الرِّقِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَا دَفَعَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ هَلْ يُرِيدُ أَمْوَالَهُمْ بِعَيْنِهَا أَوْ دَفَعَ وَقَدْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَا كَانَ بِيَدِهِ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّهُ إنْ دَفَعَ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ فَلَهُمْ رَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَعْيَانُ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالُهُمْ أَوْ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا وَكَمَا لَهُمْ مَنْعُ الْحُرِّ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ لَهُمْ مَنْعُ هَذَا مِنْ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ بِهَذَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بَعْدَ هَذَا: إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مِدْيَانًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ، وَيَبْقَى لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ غُرَمَاءَهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ أَدَاؤُهُ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ وَأَثْمَانِ ذَلِكَ وَمَا اعْتَاضَ الْمُكَاتَبُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَأَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ وَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ هُوَ مَا دَفَعَ مِمَّا أَفَادَهُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ أَوْ أَرْشِ خَرَاجِهِ أَوْ دَفَعَهُ مِمَّا بِيَدِهِ وَلَيْسَ بِمُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ، وَفِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ وَفَاءً لِدَيْنِهِ، وَإِنْ أُشْكِلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِ الْعِتْقِ فَإِنْ اعْتَرَفَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ وَيَرُدَّ عَلَى الْغُرَمَاءِ مَا قَبَضَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ عَنْ كِتَابَتِهِ أَوْ عَنْ قَطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْوَالِ، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُوفًا أَوْ مُعَيَّنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَالْمَوْصُوفُ يَرْجِعُ فِيهِ لِلْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُرَدُّ