عِتْقٌ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ فِي دِيَتِهِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَنَعَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ الْوَرَثَةُ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ وَكَانَ رِقًّا لَهُمْ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْبَغُ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ: وَهَذَا إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَيَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَعْتِقُ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ يَبْطُلُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا هُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدًا لَا إرْثَ لَهُ مِمَّنْ قَتَلَهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ) وَقَتْلُ أُمِّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا عَمْدًا قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَازِمٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهَا وَلَا تُتْبَعُ بِعَقْلٍ فِي الْخَطَإِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تُتْبَعُ بِمِثْلِهِ وَعِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اعْمَلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ فَإِذَا مَاتَتْ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهَا عَمْدًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَالَهُ سَحْنُونٌ قَالَ كَأُمِّ الْوَلَدِ تَقْتُلُ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ مَا جَنَتْ مَا عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ الْعِتْقِ انْتَهَى.
ص (بَابٌ) (نَدْبُ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ)
ش: يُقَالُ: كِتَابَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ، وَكِتَابٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِنُجُومِهَا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ هِيَ الْأَجَلُ قَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] . أَيْ: أَجَلٌ مُقَدَّرٌ، وَمِنْهُ قِيلَ: كَاتَبَ عَبْدَهُ أَيْ: وَأَجَّلَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَحَدُّهَا فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِتْقُ الرَّجُلِ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ مُنَجَّمًا انْتَهَى. كَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٍ عَلَى أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ مَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ وَلِذَا قَالَ فِيهَا: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ عِتْقُهَا عَلَى مَالٍ وَيَخْرُجُ عِتْقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: " نَدْبُ " يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ النَّدْبُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ يَتْلُو {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] فَجَعَلَهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِوُجُوبِهَا لِلْأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ هَلْ هُوَ الْمَالُ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ الصَّلَاحُ أَوْ الدِّينُ أَوْ الْأَمَانَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ انْتَهَى.
وَفَصَّلَ اللَّخْمِيُّ فِي حُكْمِهَا، فَقَالَ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يُعْرَفُ بِسُوءٍ وَسِعَايَتُهُ مِنْ الْمُبَاحِ، وَقَدْرُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَرَاجِهِ بِكَثِيرٍ