بِرَفْعِ مِلْكٍ وَانْتِقَالِهِ إلَى مِلْكٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْهُ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَقِيَ عِنْدَ سَيِّدِهِ حَتَّى غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ حُرٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ هَذَا عِتْقًا اصْطِلَاحًا وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى وَقْفِ الرَّقِيقِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِأَنَّ مِلْكَ الْوَاقِفِ ارْتَفَعَ عَنْ الْمَوْقُوفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ رَفْعُ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ الْكَائِنِ لِمُسْلِمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ مِنْ غَيْرِ تَحْجِيرِ مَنْفَعَتِهِ لَسَلِمَ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اللَّامُ فِي الْمِلْكِ لِلْحَقِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ عِتْقِ مَنْ فِي السِّيَاقِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَوْ أَعْتَقَ مَنْ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُعَدَّ رَقِيقًا فَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي صَفِّ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَيُحَازُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ حُدَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ لَا حُكْمُ الْعَبْدِ فَفِي النَّظَرِ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فِي عِتْقٍ ثَوَابُ مَنْ أَعْتَقَ صَحِيحًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الرِّقِّ وَلِأَنَّهُ قَابِلٌ لَأَنْ يَهَبَهُ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ ثَوَابٍ فَكَذَلِكَ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ انْتَهَى.
وَحُكْمُهُ النَّدْبُ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيَعْتِقَهُ» .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَأَنَّ الْوَالِدُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ الْوَلَدِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَاَلَّذِي يُشْبِهُ ذَلِكَ إخْرَاجُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ مِنْ عَدَمِ الرِّقِّ إلَى وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ كَالْمَعْدُومِ وَرُبَّمَا كَانَ الْعَدَمُ خَيْرًا مِنْهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَاقِصَ عُضْوٍ لَا تُحْجَبُ النَّارُ عَنْ الَّذِي يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي أَيْ عُضْوٍ شَاءَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ» انْتَهَى.
وَالْإِرْبُ الْعُضْوُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا قِيلَ وَلَعَلَّ هَذَا لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» انْتَهَى. وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَقَدْ يَجِبُ قَالَ فِي اللُّبَابِ.
وَلِوُجُوبِهِ عَشْرَةُ أَسْبَابٍ إصْدَارُ الصِّيغَةِ وَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِيلَادُ وَالْمُثْلَةُ وَالسِّرَايَةُ وَالْقَرَابَةُ وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ الْيَمِينُ بِالْعِتْقِ وَالنَّذْرُ بِهِ وَقَتْلُ الْخَطَإِ وَالظِّهَارُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، إنْ اخْتَارَ الْعِتْقَ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشْرَ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ أَسْبَابَهُ عَشْرَةٌ وَعَدَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَلْحَقَ بِهِمْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ قَالَ: وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَجِبُ أَحْيَانًا بِعَشْرَةِ أَسْبَابٍ بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ ابْتِدَاءً وَبِنَذْرِهِ ذَلِكَ لِأَمْرٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ.
وَبِالْحِنْثِ فِي يَمِينٍ بِذَلِكَ أَوْ بِحَمْلِ مَمْلُوكَتِهِ مِنْهُ أَوْ بِعِتْقِهِ بَعْضَهُ فَيُبَتِّلُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ أَوْ بِالتَّمْثِيلِ بِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ بِقَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ أَوْ بِكِتَابَةِ الْعَبْدِ أَوْ مُقَاطَعَتِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَتِهِ بِذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَهُمَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا إلَّا أَنَّ الْفَرْضَ فِي هَذَيْنِ