عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُدْعَوْا إلَى التَّقْوَى وَالْكَفِّ فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا وَإِنْ عَاجَلُوا قُوتِلُوا، وَأَنْ يُعْطَوْا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ إنْ طَلَبُوهُ كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَمَا خَفَّ وَلَمْ يُقَاتِلُوا. وَلَمْ يَرَ سَحْنُونٌ أَنْ يُعْطَوْا شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ وَلَا أَنْ يُدْعَوْا وَقَالَ هَذَا وَهْنٌ، يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ وَلْيُظْهَرْ لَهُمْ الصَّبْرُ وَالْجَلَدُ وَالْقِتَالُ بِالسَّيْفِ فَهُوَ أَكْسَرُ لَهُمْ وَأَقْطَعُ لِطَمَعِهِمْ. ذَهَبَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (ثُمَّ يُصْلَبُ)
ش: هَذَا خَاصٌّ بِالرَّجُلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَحَدُّهَا صِنْفَانِ: الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَالْقَتْلُ. وَيَسْقُطُ عَنْهَا ثَالِثٌ وَهُوَ الصَّلْبُ وَيُخْتَلَفُ فِي رَابِعٍ وَهُوَ النَّفْيُ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ.
ص (أَوْ يَنْفِي الْحُرَّ)
ش: لَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَعَ النَّفْي ضَرْبًا وَذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ النَّفْيِ مِنْ الضَّرْبِ. وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلِغَيْرِهِمَا: وَلِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ وَيَضْرِبُهُمَا إنْ شَاءَ. قَوْلُهُ (إنْ شَاءَ) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِهِ؛ لِقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ بِحَضْرَةِ الْخُرُوجِ وَلَمْ يُخِفْ السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهَذَا يُؤَاخَذُ فِيهِ بِأَيْسَرِ الْحُكْمِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَذَلِكَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ مَا ذَكَرَهُ أَنْسَبُ بِمَذْهَبِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ جَلْدَهُ مَعَ النَّفْيِ لَضَعِيفٌ. وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ. أَيْ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ. انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي لُزُومِ الضَّرْبِ وَالنَّفْيِ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ ضَرْبُهُ قَبْلَ النَّفْيِ اسْتِحْسَانٌ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّجْمِ مِنْهَا وَلَا يُنْفَى الرَّجُلُ وَمِنْهَا لَا يُنْفَى الرَّجُلُ الْحُرُّ إلَّا فِي الزِّنَى وَفِي حِرَابَةٍ فَيُسْجَنَانِ جَمِيعًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَى إلَيْهِ يُسْجَنُ الزَّانِي سَنَةً وَالْمُحَارِبُ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الضَّرْبِ وَفِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُحَارِبِينَ وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ فِي نَفْيِهِ وَضَرْبِهِ فَظَاهِرُهُ أَوْ نَصُّهُ ثُبُوتُ الضَّرْبِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَدْرُ الضَّرْبِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ كَمَا فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ضَرْبِهِ وَنَفْيِهِ أَمَّا فِي ضَرْبِهِ فَعَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ مُقَامِهِ فِي فَسَادِهِ وَأَمَّا فِي نَفْيِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْفَسَادِ نَفَاهُ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَسَادِ فَإِلَى بَلَدٍ قَرِيبٍ وَأَقَلُّهُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَيْسَ لِجَلْدِهِ حَدٌّ إلَّا الِاجْتِهَادُ مِنْ الْإِمَامِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) نُصُوصُ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمُحَارِبَ إذَا نُفِيَ سُجِنَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَفِي إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُخْشَى هُرُوبُهُ أَمْ لَا. وَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آيَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ يُخَافُ هُرُوبُهُ أَوْ لَا يَخَافُ هُرُوبَهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) وَهَلْ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ الْحَدِيدُ؟ اُنْظُرْ تَبْصِرَةَ ابْنِ فَرْحُونٍ.
ص (وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ)
ش: يُرِيدُ أَوْ الصَّلْبِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا إنْ قَتَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ وَلَا تَخْيِيرَ لِلْإِمَامِ فِي قَطْعِهِ وَلَا فِي نَفْيِهِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ. اهـ اُنْظُرْ آخِرَ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ فَلْيَقْتُلْهُ وَلَا يَقْطَعْ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَأَمَّا الصَّلْبُ مَعَ الْقَتْلِ فَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ بِأَشْنَعِ مَا يَرَاهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ خِلَافًا لِأَبِي مُصْعَبٍ وَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا إذَا كَانَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ فَيَكُونُ الْآخَرُ دَاخِلًا فِي الْقَتْلِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَبِي حَنِيفَة فِي قَوْلِهِ إنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ صَلَبَهُ