لَك دَمِي فَقَوْلَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحْسَنُهُمَا أَنْ يُقْتَلَ بِخِلَافِ عَفْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَوْ أَذِنَ فِي قَطْعِ يَدِهِ عُوقِبَ وَلَا قِصَاصَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ الْمُؤَلِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي الْعُتْبِيَّة لِسَحْنُونٍ وَذَكَرَ لَفْظَ الْعُتْبِيَّة ثُمَّ قَالَ وَزَادَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا فَنَفَى الْقِصَاصَ لِشُبْهَةِ عَفْوِ الْقِصَاصِ مِنْ الْمَقْتُولِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَفْظَ الْعُتْبِيَّة وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ لَفْظِ سَحْنُونٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الصَّقَلِّيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ نَفْيَ الْقِصَاصِ خِلَافَ اخْتِيَارِهِ فِي الْعُتْبِيَّة وَنَصَّهُ. قَالَ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَلَا جَعْلَ لَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ.
قَالَ وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي وَلَك كَذَا أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَتَلَهُ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ وَكَذَا السَّيِّدُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ فَالصَّوَابُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَفَعَلَ فَلَا غُرْمَ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي أَوْ يَدَ عَبْدِي عُوقِبَ الْمَأْمُورُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قِيلَ لِسَحْنُونٍ أَصْبَغُ يَقُولُ يَغْرَمُ قَاتِلُ الْعَبْدِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ قِيمَتَهُ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا شَيْءٌ وَيُضْرَبُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُسْجَنُ وَيُؤَدَّبُ الْآمِرُ أَدَبًا مُوجِعًا ابْنُ رُشْدٍ لِأَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ هُنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَغْرَمْته لِحُرْمَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ يُضْرَبُ السَّيِّدُ وَالْقَاتِلُ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُسْجَنَانِ عَامًا وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّمَا أُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ إغْرَامَهُ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ لَيْسَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ بِالْأَمْوَالِ وَإِذَا عُوقِبَ الْقَاتِلُ بِغُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ بِالْأَمْرِ بِقَتْلِ عَبْدِهِ وَلَوْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا أُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ لِإِسْقَاطِ سَيِّدِ الْعَبْدِ إيَّاهَا عَنْهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَهُ عَلَيْهِ إذْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ قَتْلِ الْعَبْدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ لُزُومَ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ انْتَهَى.
ص (وَقَتْلُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ)
ش: لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى حُرْمَةً وَأَعْظَمُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَانَ مَنْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ هُوَ الْأَعْلَى وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ كَوْنَ الْقَاتِلِ زَائِدًا عَلَى الْمَقْتُولِ بِالْحُرِّيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ مَانِعًا نَبَّهَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْقَاتِلِ أَدْنَى مِنْ الْمَقْتُولِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَدْنَى إذَا قَتَلَ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِفَرْعٍ يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ وَهُوَ إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ كَسِلْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي نَصْرَانِيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا عَمْدًا قَالَ أَرَى أَنْ يُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَهُوَ كَسِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ وَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ بِهِ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْ الْكِتَابِيِّ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَلَا يَقْتُلَهُ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِهِ فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اتِّبَاعِ مَا فِي الْقُرْآنِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ اسْتَظْهَرَ الْقَوْلَ الثَّانِي وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْقِيمَةُ هُنَا كَالدِّيَةِ وَنَصُّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْقِيمَةُ هُنَا كَالدِّيَةِ إلَى أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ الذِّمِّيَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ