مَتْرُوكٌ يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ إجْمَاعَ الْمِلَلِ عَلَى حِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْأَنْسَابَ عِوَضَ الْأَمْوَالِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهَا وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَإِنْفَاذِ الْوَعِيدِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأُخِذَ لِمَالِكٍ الْقَوْلَانِ فَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ. عَدَمُ الْقَبُولِ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُكْثِرَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ. الْقَبُولُ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَخْلِيدِهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَخْلِيدِهِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَخْذَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْإِمَامَةِ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ. وَنَصُّ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَتْلُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهُ وَفِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَإِنْفَاذِ وَعِيدِهِ مَذْهَبَا الصَّحَابَةِ.
وَإِلَى إنْفَاذِ وَعِيدِهِ ذَهَبَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ سَابِقِ حُرْمَتِهِ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلُ مَالِكٍ لِيُكْثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالصَّدَقَةَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ وَيَلْزَمَ الثُّغُورَ مَنْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقَوَدُ. دَلِيلٌ عَلَى الرَّجَاءِ عِنْدَهُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ. خِلَافُ قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ قَالَ وَالْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَمِنْ تَوْبَتِهِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَوَدًا وَدِيَةً اهـ.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا فِي التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ رَدَّ التَّبِعَاتِ. وَرَدُّ الْحَيَاةِ عَلَى الْمَقْتُولِ مُتَعَذِّرٌ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ الْمَقْتُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إذَا سُئِلَ عَنْ تَوْبَتِهِ سَأَلَ هَلْ قَتَلَ أَمْ لَا وَيُطَاوِلُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَالَ لَا تَوْبَةَ. وَإِلَّا قَالَ لَهُ التَّوْبَةُ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفَتْوَى انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ وَالْمِقْدَادِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْأَبِيِّ وَعِيَاضٍ وَالْقُرْطُبِيِّ
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ قُتِلَ الْقَاتِلُ قِصَاصًا قِيلَ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» وَقِيلَ لَيْسَ بِكَفَّارَاتٍ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْقِصَاصِ بَلْ مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ زَجْرًا أَوْ تَشَفِّيًا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةُ.
(فَائِدَتَانِ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: 32] الْآيَةَ. فِيهَا سُؤَالٌ وَهُوَ وَجْهُ تَشْبِيهِ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِقَتْلِ جَمِيعِ النَّاسِ وَإِحْيَائِهَا بِإِحْيَاءِ جَمِيعِ النَّاسِ؟ وَالتَّشْبِيهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَقَارِبِينَ جِدًّا وَقَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بُعْدًا شَدِيدًا وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَابِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ إمَامٌ مُقْسِطٌ أَوْ حَاكِمٌ عَدْلٌ أَوْ وَلِيٌّ تُرْتَجَى بَرَكَتُهُ