فِي أَقْرَبِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ مَعَ بُعْدِ خُرُوجِ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَرِيبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا مِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمْنَاهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ كَانَتْ زُورًا وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَيُقْضَى لَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّيُوخُ هَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَنَاقِضٌ أَمْ لَا وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْبَتِّ مَعَ إطْلَاقِهَا عَلَيْهَا بِالزُّورِ أَوْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تُقْبَلُ أَوْ يَكُونُوا مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ فَتُقْبَلُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَا فِي الشَّهَادَةِ شَرْطُ كَمَالٍ. أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَذَلِكَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ زُورًا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ شُهُودَ الزُّورِ.
(فَرْعٌ) مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيُنْظَرُ فِي أَعْدَلِهِمَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي يَدَّعِي الشَّيْءَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَدَّعِيه آخَرُ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إعَادَةُ بَيِّنَةٍ وَلَا يُرَدُّ الشَّيْءُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَلَكِنْ يُقْضَى بِهِ لِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا قَبْلَهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ نَحْوُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَطْعِ جَرْيِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ لَا مَدْفَعَ فِيهَا بَطَلَ حَقُّ أَصْحَابِ الْجَنَّاتِ إلَّا أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى قَطْعِ ضَرَرِ الطَّرِيقِ أَوْ يَثْبُتُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِضَرَرٍ عَلَى الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ أَعْدِلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ تَجْرِيحِ شُهُودِ الْعَقْدِ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ الْحَاكِمُ فَهُمْ حِينَئِذٍ أَحَقُّ بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِرُشْدِ شَخْصٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَعْدَلُ مِنْهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ، وَذُكِرَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْتُظِرَ)