ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي عَنْ الثِّقَاتِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَا وَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ سَامِعٍ أَوْ مَسْمُوعٍ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ نَفْيُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ مَعَ الْعُدُولِ لِأَنَّ قَصْرَ السَّمَاعِ عَلَى الْعُدُولِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي صِفَةِ هَذَا السَّمَاعِ الْفُشُوَّ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ الثِّقَاتِ فَأَمَّا الْفُشُوُّ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ عَنْ الثِّقَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ لِلشَّاهِدِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ يُقَارِبُهُ وَرُبَّمَا كَانَ خَبَرُ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِمَا يُفِيدُهُ خَبَرُ الْعَدْلِ لِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ مَعَ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ السَّمَاعُ مَقْصُورًا عَلَى الْعَدْلِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى. قُلْت فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْعَبْدُوسِيّ فِي قَصِيدَتِهِ حَيْثُ قَالَ
وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْعُدُولُ ... بَلْ اللَّفِيفُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَوْ قَالَ عِوَضًا مِنْهُ: وَلَيْسَ سَمْعُهَا مِنْ الْعُدُولِ شَرْطٌ بَلْ اللَّفِيفُ فِي النُّقُولِ لَكَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ.
ص (بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفًا طَوِيلًا)
ش: أَفَادَ بِقَوْلِهِ لِحَائِزٍ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي الْمِلْكِ إنَّمَا تُفِيدُ لِلْحَائِزِ فَقَطْ وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي الِانْتِزَاعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَكُونُ بِالْمِلْكِ فِي الِانْتِزَاعِ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ وَإِنَّمَا تَصِحُّ لِلْحَائِزِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ الْيَدِ، وَهَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا مَا لَيْسَ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ كَعَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَوْلَانِ عِنْدَنَا بَنَاهُمَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يُعَدُّ حَائِزًا لِمَا لَا مِلْكَ لَهُ أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَا يَقُومُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا الَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ وَلَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ شَيْئًا تَحْتَ يَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَدُ كَلَا يَدٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا وَذَا سُلْطَانٍ غَيْرِ مُسْقِطٍ وَثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ الْقَائِمِ أَوْ وَرَثَتِهِ عَلَى السَّمَاعِ أَوْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى الَّذِي يَمْلِكُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ مَا يَدُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَيُسْتَحَقُّ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيُحْكَمُ بِذَلِكَ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِمُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا أَنَّهُ إنَّمَا يُشْهَدُ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ بِأَوْ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَأَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ أَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ خِلَافُ نَقْلِ ابْنُ شَاسٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ