لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَقَمْت ثَمَانِيَ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ فَتَخْرُجُ الرِّوَايَةُ وَالْخَبَرُ الْقَسِيمُ لِلشَّهَادَةِ، وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِيَّةِ التَّعَدُّدِ وَالْحَلِفِ وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَغَيْرِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ، يُرِيدُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا وَلَوْ قَالَ: قَوْلَ عَدْلٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ لَكَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ عُدِّلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَائِبًا فِيمَا ثَبَتَ أَوْ لَوْ قَالَ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَلِمَ عَدَالَةَ قَائِلِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً (تَنْبِيهٌ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ شُرُوطًا فِي الْعَدَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا هَذِهِ الْأَوْصَافَ شُرُوطًا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ الْعَدَالَةَ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْ بِمُقْتَضَاهَا اكْتَسَبَتْ شَرَفًا فَاشْتَرَطَ فِيهَا شُرُوطًا مِنْهَا فِي أَدَائِهَا: الْإِسْلَامُ اتِّفَاقًا، قَالَ: وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبُلُوغُ ثُمَّ، قَالَ: وَالْعَدَالَةُ. قَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ شُرُوطًا فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَصْلِهِ وَفِقْهِهِ وَأَطَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهَا الْكَلَامَ وَالْأُولَى صِفَةُ مَظِنَّةٍ تَمْنَعُ مَوْصُوفَهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةَ غَيْرِ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ، وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي آخِرِ شَهَادَتِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَطْوَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْفِقْهِ: الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ لِلْعَدَالَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا فِسْقٌ، يُوجِبُ كَوْنَهَا مُضَادَّةً فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ سَائِرِ أَضْدَادِهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَضْدَادِ الْعَدَالَةِ فَلِذَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: الدِّينِيَّةُ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهَا الدِّينُ وَإِنَّمَا فَعَلَهَا لِتَحْصِيلِ مَنْصِبٍ دُنْيَوِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ فِي صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: هُوَ الْمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الْمُتَوَقِّي لِأَكْثَرِ الصَّغَائِرِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَمْيِيزٍ مُتَيَقِّظًا مُتَوَسِّطَ الْحَالِ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ قُلْت وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ الْعَدْلِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: حُرٌّ لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: عَاقِلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُخْتَلَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْكَبِيرِ يُخْنَقُ ثُمَّ يُفِيقُ إنْ كَانَ يُفِيقُ إفَاقَةً بَيِّنَةً يَعْقِلُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَبَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ انْتَهَى.
ص (أَوْ كَثِيرُ كَذِبٍ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا الْكَذِبُ فَنَصُّهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ قَالَ