إلَى مَا جَبَوْهُ، قَالَ: وَكُلَّ مَا أَفَادَهُ الْوَالِي مِنْ مَالٍ سِوَى رِزْقِهِ فِي عَمَلِهِ أَوْ قَاضٍ فِي قَضَائِهِ أَوْ مُتَوَلٍّ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمَرُ إذَا وَلَّى أَحَدًا أَحْصَى مَالَهُ لِيَنْظُرَ مَا يَزِيدُ وَلِذَا شَاطَرَ الْعُمَّالَ أَمْوَالَهُمْ حَيْثُ كَثُرَتْ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِ مَا زَادُوهُ بَعْدَ الْوِلَايَةِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَشَاطَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى وَغَيْرَهُمَا، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ إثْرَهُ: تَمْهِيدٌ الزَّائِدُ قَدْ يَكُونُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ لَا مِنْ الْهَدِيَّةِ وَلَا تُظَنُّ الْهَدَايَا بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا لَا يَقْتَضِي أَخْذًا وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّشْطِيرُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ لَا بُدُّ أَنْ يُنَمِّيَهَا جَاهُ الْعَمَلِ فَيَصِيرُ جَاهُ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَامِلِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ رَبَّ الْمَالِ فَأَعْطَى الْعَامِلَ النِّصْفَ عَدْلًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَلِذَلِكَ لَمَّا انْتَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِالْمَالِ الَّذِي أَخَذَاهُ مِنْ الْكُوفَةِ سَلَفًا فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُمَا اجْعَلْهُ قِرَاضًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا وَلَوْلَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ يَصِيرُ الْقَرْضُ قِرَاضًا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّتِهِمَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِرَاضِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَكَذَلِكَ الشُّهُودُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا دَامَتْ الْحُكُومَةُ بَيْنَهُمَا (الْخَامِسُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ: مَا أُهْدِيَ إلَى الْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ قَبُولُهُ وَمَا أُهْدِيَ إلَيْهِ رَجَاءَ الْعَوْنِ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ تَعْرِضُ عِنْدَهُ رَجَاءَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْمَعْمُولِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ قَبُولُهَا وَهِيَ رِشْوَةٌ يَأْخُذُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَ عِنْدَهُ خَصْمَانِ فَأَهْدَيَا إلَيْهِ جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا يَرْجُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعِينَهُ فِي حُجَّتِهِ أَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُسْمَعُ مِنْهُ وَيُوقَفُ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي إنْ كَانَ يَنْشَطُ لَلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لَا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَنْشَطُ إذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً (قُلْتُ) قَدْ يَخَفْ قَبُولَهَا لِمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِأُصُولِهَا يَقْطَعُهُ عَنْ التَّسَبُّبِ وَلَا رِزْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَلْوَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيهِ وَفِي الطِّرَازُ وَظَاهِرُهُ لِابْنِ عَيْشُونٍ وَمِنْ هَذَا انْقِطَاعُ الرَّغْبَةِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِالسَّلْطَنَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ فِيمَا يَهْدُونَهُ لَهُمْ وَيَخْدُمُونَهُمْ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّشْوَةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الظُّلْمِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَعَنْ الذِّمِّيِّ، انْتَهَى.
(السَّادِسُ) ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ: (فَرْعٌ) ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا عَجَزْت عَنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ اسْتَعَنْت عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَك إنْ كَانَ الْحَقُّ جَارِيَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْك؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُك بِالْأَجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلَا تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدُ وَالْغَصْبُ عِصْيَانُ مَفْسَدَةٍ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إضَاعَةِ الْمَالِ فَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ حَرُمَتْ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَظِيمٌ لَا يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ فَتَوْجِيهُهُ إيَّاهُ وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ارْتَضَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: أَجَازَ بَعْضُهُمْ إعْطَاءَ الرِّشْوَةِ إذَا خَافَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الظُّلْمُ مُحَقَّقًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ بَعْضِهِمْ