الْفَتْوَى وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى، وَالتَّسَاهُلُ قَدْ يَكُونُ بِأَنْ لَا يَتَثَبَّتَ وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى أَوْ الْحُكْمِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْإِسْرَاعَ بَرَاعَةٌ وَالْإِبْطَاءَ عَجْزٌ وَلَأَنْ يُبْطِئَ وَلَا يُخْطِئَ أَجْمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ فَيَضِلَّ وَيُضِلَّ وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْذُورَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ بِالتَّمَسُّكِ بِالشُّبَهِ طَلَبًا لِلْحِرْصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ نَفْعُهُ أَوْ التَّغْلِيطَ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضَرَرُهُ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ، قَالَ:

وَأَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيَخْلُصَ بِهَا الْمُفْتِي مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَسْهِيلٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصَّ وَوُلَاةَ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ دَلِيلُ فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى الْخَلْقَ دُونَ الْخَالِقِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ، وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا، انْتَهَى.

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ إنَّمَا هُوَ إذَا وَجَدَ فِي النَّازِلَةِ نَصًّا فَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَا نَصُّهُ: وَيَقْضِي حِينَئِذٍ بِفَتْوَى مُقَلِّدِهِ بِنَصِّ النَّازِلَةِ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ قَالَ: يَجِيءُ مِنْ كَذَا كَذَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ لِلْمُطَّلِعِ عَلَى مَدَارِكِ إمَامِهِ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (قُلْتُ) يُرَدُّ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْمُجْتَهِدِ لِامْتِنَاعِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّازِلَةِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُقَلِّدِ الْمُوَلَّى الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ فِي نَازِلَةٍ أُخْرَى تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ وَبِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قِيَاسِهِ عَلَى أَقْوَالِ مَالِكٍ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَجَدَهُ يَعُدُّ اخْتِيَارَاتِهِ بِتَخْرِيجَاتِهِ فِي تَحْصِيلِهِ الْأَقْوَالَ أَقْوَالًا، انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ هُوَ أَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ فَتْوَى ابْنِ عَبْدِ الرَّءُوفِ وَابْنِ السَّبَّاقِ وَابْنِ دَحُونٍ وَنَحْوِهِمْ أَقْوَالًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ فِي شَرْطِ كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ وَنَقَلَ لِابْنِ الطَّلَّاعِ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَكَانَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ وَبَحَثَهُ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُقَلِّدُ قِسْمَانِ، مُحِيطٌ بِأُصُولِ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ وَقَوَاعِدِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ وَالْقِيَاسُ بِشَرَائِطِهِ كَمَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَغَيْرُ مُحِيطٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي فَيُتَّجَهُ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ، انْتَهَى مِنْ الْبَابِ الثَّانِي، وَقَالَ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ: الْمُقَلِّدُ لَهُ حَالَانِ تَارَةً يُحِيطُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الْفَرْقِ وَمَعَ إمْكَانِهِ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى إمَامِهِ وَقَوَاعِدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَشَرِيعَتِهِ حُكْمًا فَكَمَا لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ التَّخْرِيجُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الْفَارِقِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ، وَتَارَةً لَا يُحِيطُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ وَإِنْ بَعُدَ الْفَارِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ لَأَوْجَبَ لَهُ الِاطِّلَاعُ الْفَرْقَ، وَنِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ مَنْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُقَلِّدِ التَّخْرِيجُ فِيمَا لَيْسَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْأَدِلَّةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ إلَّا بِقَوْلِ عَالِمٍ وَإِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015