وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) شَخْصٌ أَوْقَفَ مَالَهُ الْفُلَانِيَّ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِنْ الْأَوْلَادِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَعَقِبًا بَعْد عَقِبٍ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ وَمَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ وَقْفًا صَحِيحًا عَلَى مَنْ سَيُولَدُ مِنْ ظَهْرِهِ وَعَلَى مَنْ ذَكَرَ بَعْدَهُمْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ فَهَلْ قَوْلُهُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَمْنَعُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ يَمْنَعُ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ؟ .
وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَمْنَعُ فَهَلْ يُقَيَّدُ دُخُولُ الْأَبْنَاءِ بِوُجُودِ الْآبَاءِ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ دُخُولَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِوُجُودِ أَبِيهِ؟ فَأَجَبْت لَا أَعْلَمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِخُصُوصِهَا مَنْصُوصَةً أَعْنِي إذَا قَالَ الْوَاقِفُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ قَالَ وَيَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْأَبْنَاءِ مَعَ الْآبَاءِ وَكَلَامُ الْوَاقِفِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَطَفَ الْأَبْنَاءَ عَلَى الْآبَاءِ بِالْوَاوِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِدُخُولِهِمْ مَعَهُمْ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَقْوَاهُمَا تَصْرِيحُهُمْ بِدُخُولِهِمْ مَعَ الْآبَاءِ مَرَّتَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَعَقِبًا بَعْدَ عَقِبٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّنْصِيصَ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِمْرَارِ الْوَقْفِ وَتَأْبِيدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ وَالْأَعْقَابِ وَإِذَا ظَهَرَ دُخُولُهُمْ فِي الْوَقْفِ مَعَ آبَائِهِمْ فَدُخُولُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ أَحْرَى وَأَوْلَى وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْوَاقِفِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ؛ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِفَحْوَى الْخِطَابِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِمْ لِأَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِدُخُولِهِمْ مَعَ أَبِيهِمْ فِي حَيَاتِهِ فَدُخُولُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ بِأَنَّ الْأَبْنَاءَ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ.
قَالُوا: فَإِذَا مَاتَ وَلَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ فَإِنَّ أَوْلَادَهُ يَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَيَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ أَعْمَامِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَأَفْتَى شُيُوخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ لَا مِنْ دُخُولِهِ مَعَ أَعْمَامِهِ وَمَنْ فِي طَبَقَةِ أَبِيهِ فَإِذَا صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِدُخُولِ الْأَوْلَادِ مَعَ آبَائِهِمْ فَلَا يُشَكُّ فِي دُخُولِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةٌ رَاسَلَنِي بِهَا شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَصُّهُ وَقَعَتْ لَنَا مَسْأَلَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ شَخْصٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَشَرَطَ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَمَاتَ شَخْصٌ مِنْ طَبَقَتِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَثَمَّ شَخْصٌ فِي طَبَقَتِهِ إلَّا أَنَّ أَبَا هَذَا الشَّخْصِ مَوْجُودٌ وَهُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقٌ فَهَلْ يَكُونُ نَصِيبُ هَذَا الْمَيِّتِ لِهَذَا الْمَحْجُوبِ بِأَبِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ لِمَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ.
وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْوَاقِفِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ يَحْجُبُ فُرُوعَهُ لَا فُرُوعَ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْآنَ إلَّا بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْفِعْلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجْزِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ فَاكْتُبْ لِي مَا عِنْدَك فِيهَا نَقْلًا أَوْ بَحْثًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي كَقَنْطَرَةٍ