يَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ الْحَبْسُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ. قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ حُدُودِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنْ قُلْت إذَا اكْتَرَى أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ لِيُصَيِّرَهَا حَبْسًا مَسْجِدًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الشَّيْخِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ (قُلْت) هَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرُوهَا فِي الْحَبْسِ وَقَالُوا لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُحْبِسِ مَالِكَ الرَّقَبَةِ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ فَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى تَأَمُّلٍ فِي دُخُولِهَا انْتَهَى كَلَامُ الرَّصَّاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضَ]

ص (وَلَوْ حَيَوَانًا)

ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) وَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الثِّيَابِ طَرِيقَانِ اللَّخْمِيُّ فِي جَوَازِهَا وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِنَقْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ مَعَ الْقَاضِي الْبَاجِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ فَعَلَى جَوَازِهِ يَلْزَمُ لِمُوَافَقَتِهِ الشَّرْعَ وَكَوْنِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَعَلَى كَرَاهَتِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ رِوَايَتَانِ (قُلْت) يُرِيدُ بِالْجَوَازِ عَدَمَ اللُّزُومِ لَا أَحَدَ أَحْكَامِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ قَسِيمِ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ وَهُوَ مُحَالٌ انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ الْأَصْلُ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ فِي مِيزَانِهِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ شَنِيعٌ فِي فَهْمِهِ إنْ ضَبَطَ بَاءَ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ وَفِي رِوَايَتِهِ إنْ ضَبَطَهَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَاقَيْنَاهُ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اسْتِدْلَالَاتُ بَعْضِ شُيُوخِ مَذْهَبِنَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهَا خَوْفَ اعْتِقَادِ سَامِعِهَا وَلَا سِيَّمَا مَنْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، إنَّ حَالَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ جُلِّهِمْ مِثْلُ هَذَا الْمُسْتَدِلِّ. قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ مُتَكَلِّمِي الْمُتَقَدِّمِينَ رَدًّا عَلَى الْمُنَجِّمِينَ وَدِدْت أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ لِسَخَافَتِهِ وَرَأَيْت لِلْآمِدِيِّ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَيْسَ مُنْصِفًا وَقَفَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

(قُلْت) كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْبُخَارِيِّ حَبَسَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَكَانَ شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» انْتَهَى.

فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ احْتَبَسَ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَوْقَفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ الْجَامِعِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّهُ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ أَيْ أَوْقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ أَحْبَسَ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَال حَبَسَ مُخَفَّفًا وَحَبَّسَ مُشَدَّدًا انْتَهَى.

فَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى حَبَّسَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْوَقْفُ فَصَحَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ هَذَا إذَا كَانَا نَقَلَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ حَبَسَ وَإِنْ كَانَا نَقَلَاهُ بِلَفْظِ احْتَبَسَ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَحَرَّفَهُ النُّسَّاخُ فَمَعْنَى احْتَبَسَ أَوْقَفَ كَمَا تَقَدَّمَ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَصَحَّ مَا قَالَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَصْلٌ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضَ وَكَذَا حَدِيثُ خَالِدٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ حَبَسَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَعَبْدٍ عَلَى مَرَضِي)

ش: اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ.

ص (وَفِي وَقْفٍ كَطَعَامٍ تَرَدُّدٌ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015