مِنْ جِنْسِ الْمُحَادَثَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ انْتَهَى. يُرِيدُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ يَنْشُدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ قَالَ أَيْ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَنْ اُسْكُتْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ إنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ قَدْ بَنَى رَحْبَةً فِي خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يَنْشُدَ شِعْرًا فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَمِنْ مَانِعٍ مُطْلَقًا وَمِنْ مُجِيزٍ مُطْلَقًا وَالْأَوْلَى التَّفْصِيلُ فَمَا كَانَ يَقْتَضِي الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ الذَّبَّ عَنْهُمَا كَمَا كَانَ شِعْرُ حَسَّانَ أَوْ يَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرِ فَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الشِّعْرَ لَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْفَوَاحِشِ وَالتَّزْيِينِ بِالْبَاطِلِ وَلَوْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ اللَّغْوُ وَالْهَذْرُ وَالْمَسَاجِدُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ أَرَ لِمَالِكٍ شَيْئًا فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الَّذِي يَصُونُ الْمَسْجِدَ وَيَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا حَكَى الْبَاجِيُّ فِي الْوُضُوءِ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْوَاضِحَةِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ رَأَيْت بَعْضَ أَشْيَاخِي تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَظُنُّهُ بَلَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ وُضُوءًا طَاهِرًا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَسُئِلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ فَقَالَ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا وَجْهَ لِلتَّخْفِيفِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يَجُوزُ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] فَوَاجِبٌ أَنْ تُرْفَعَ وَتُنَزَّهَ عَنْ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِيهَا لِمَا يَسْقُطُ فِيهَا مِنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَوْسَاخٍ وَلِتَمَضْمُضِهِ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَتَأَذَّى الْمُصَلِّي بِالْمَاءِ الْمُهْرَاقِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ» وَلَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُسْقِطَ وُضُوءَهُ فِي طَسْتٍ وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامًا فَعَلَهُ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ الْبَاجِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوُضُوءِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَحْنِهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَرِهَهُ سَحْنُونٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَجِّ الرِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَرِحَابُ الْمَسْجِدِ كَالْمَسْجِدِ فِي التَّنْزِيهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْخَلَاوِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي سُطُوحِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُرْمَةَ سَطْحِهِ كَحُرْمَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ إذَا أَحْدَثَ أَثْنَاءَ خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فِي صَحْنِهِ وُضُوءًا طَاهِرًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ فِي طَسْتٍ وَمَنْ يَتَوَضَّأُ فِي سَطْحِهِ أَوْ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهِ إنَّمَا يَتَوَضَّأُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَطِيبِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ.
الثَّامِنُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يُتَوَضَّأَ فِي مَكَان يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَحْصُلَ تَمَخُّطٌ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بُصَاقٌ بِالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّنَخُّمِ وَإِلَّا فَيَنْتَهِي إلَى التَّحْرِيمِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ